أنت مني يوم خلقت به موت، مكانه في منقطع التراب، والوتينان يحملان الجبال والقرى والعمران، آذانهما كأنها شجر الصنوبر الطوال، رؤسهما كأنها آكام الجبال، وعروق أفخاذهما كأنها أوتاد الحديد، وكأن جلودهما فلق الصخور، وعظامهما كأنها عمد النحاس، هما رأسا خلقي الذين خلقت للقتال، أأنت ملأت جلودهما لحما؟ أم أنت ملأت رؤسهما دماغا؟ أم هل لك في خلقهما من شرك؟ أم لك بالقوة التي عملتها يد؟ أو هل يبلغ من قوتك أن تخطم على أنوفهما، أو تضع يدك على رؤسهما، أو تقعد لهما على طريق فتحبسهما، أو تصدهما مقوتهما؟ أين أنت يوم خلقت التنين رزقه في البحر ومسكنه في السحاب؟ عيناه توقدان نارا، ومنخراه يثوران دخانا، أذناه مثل قوس السحاب، يثور منهما لهب كأنه إعصار العجاج، جوفه يحترق ونفسه يلتهب، وزبده كأمثال الصخور، وكأن صريف أسنانه صوت الصواعق، وكأن نظر عينيه لهب البرق، أسراره لا تدخله الهموم، تمر به الجيوش وهو متكئ، لا يفزعه شئ ليس فيه مفصل الحديد عنده مثل التبن، والنحاس عنده مثل الخيوط، لا يفزع من النشاب، ولا يحس وقع الصخور على جسده، ويضحك من النيازك، ويسير في الهواء كأنه عصفور، ويهلك كل شئ يمر به ملك الوحوش، وإياه آثرت بالقوة على خلقي هل أنت آخذه بأحبولتك فرابطه بلسانه أو واضع اللجام في شدقه؟ أتظنه يوفي بعهدك أو يسبح من خوفك؟ هل تحصي عمره أم هل تدري أجله أو تفوت رزقه؟ أم هل تدري ماذا خرب من الأرض، أم ماذا يخرب فيما بقي من عمره؟ أتطيق غضبه حين يغضب أم تأمره فيطيعك؟ تبارك الله وتعالى قال أيوب (ص): قصرت عن هذا الامر الذي تعرض لي ليت الأرض انشقت بي فذهبت في بلائي ولم أتكلم بشئ يسخط ربي اجتمع علي البلاء إلهي جعلتني لك مثل العدو وقد كنت تكرمني وتعرف نصحي، وقد علمت أن الذي ذكرت صنع يديك وتدبير حكمتك، وأعظم من هذا ما شئت عملت لا يعجزك شئ ولا يخفى عليك خافية ولا تغيب عنك غائبة، من هذا الذي يظن أن يستر عنك سرا، وأنت تعلم ما يخطر على القلوب؟
وقد علمت منك في بلائي هذا ما لم أكن علم، وخفت حين بلوت أمرك أكثر مما كنت أخاف. إنما كنت أسمع بسطوتك سمعا، فأما الآن فهو بصر العين. إنما تكلمت حين تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني، كلمة زلت فلن أعود. قد وضعت يدي على