الأرض يقول: ويمسك السماء بقدرته كي لا تقع على الأرض إلا بأذنه. ومعنى قوله:
أن تقع: أن لا تقع. إن الله بالناس لرءوف بمعنى: أنه بهم لذو رأفة ورحمة فمن رأفته بهم ورحمته لهم أمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وسخر لكم ما وصف في هذه الآية تفضلا منه عليكم بذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الانسان لكفور لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الامر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم) *.
يقول تعالى ذكره: والله الذي أنعم عليكم هذه النعم، هو الذي جعلكم أجساما أحياء بحياة أحدثها فيكم، ولم تكونوا شيئا، ثم هو يميتكم من بعد حياتكم فيفنيكم عند مجئ آجالكم ثم يحييكم بعد مماتكم عند بعثكم لقيام الساعة. إن الانسان لكفور يقول: إن ابن آدم لجحود لنعم الله التي أنعم بها عليه من حسن خلقه إياه، وتسخيره له ما سخر مما في الأرض والبر والبحر، وتركه إهلاكه بإمساكه السماء أن تقع على الأرض بعبادته غيره من الآلهة والأنداد، وتركه إفراده بالعبادة وإخلاص التوحيد له.
وقوله: لكل أمة جعلنا منسكا يقول: لكل جماعة قوم هي خلت من قبلك، جعلنا مألفا يألفونه ومكانا يعتادونه لعبادتي فيه وقضاء فرائضي وعملا يلزمونه. وأصل المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شر يقال: إن لفلان منسكا يعتاده: يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر. وإنما سميت مناسك الحج بذلك، لتردد الناس إلى الأماكن التي تعمل فيها أعمال الحج والعمرة. وفيه لغتان: منسك بكسر السين وفتح الميم، وذلك من لغة أهل الحجاز، ومنسك بفتح الميم والسين جميعا، وذلك من لغة أسد. وقد قرئ باللغتين جميعا.
وقد اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: لكل أمة جعلنا منسكا: أي المناسك عني به؟ فقال بعضهم: عني به: عيدهم الذي يعتادونه. ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه يقول: عيدا.
وقال آخرون: عني به ذبح يذبحونه ودم يهريقونه. ذكر من قال ذلك: