الحجة لا شك إنما هو احتجاج المحتج على خصمه بما هو حجة لخصمه. وأما قول السدي: ثم نكسوا في الفتنة، فإنهم لم يكونوا خرجوا من الفتنة قبل ذلك فنكسوا فيها. وأما قول من قال من أهل العربية ما ذكرنا عنه، فقول بعيد من الفهوم لأنهم لو كانوا رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم، ما احتجوا عليه بما هو حجة له، بل كانوا يقولون له: لا تسألهم، ولكن نسألك فأخبرنا من فعل ذلك بها، وقد سمعنا أنك فعلت ذلك ولكن صدقوا القول فقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون وليس ذلك رجوعا عما كانوا عرفوا، بل هو إقرار به.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ئ أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) *.
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أفتعبدون أيها القوم ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم، وأنتم قد علمتم أنها لم تمنع نفسها ممن أرادها بسوء، ولا هي تقدر أن تنطق إن سئلت عمن يأتيها بسوء فتخبر به، أفلا تستحيون من عبادة ما كان هكذا؟ كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم... الآية، يقول يرحمه الله: ألا ترون أنهم لم يدفعوا عن أنفسهم الضر الذي أصابهم، وأنهم لا ينطقون فيخبرونكم من صنع ذلك بهم، فكيف ينفعونكم أو يضرون وقوله: أف لكم يقول: قبحا لكم وللآلهة التي تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون قبح ما تفعلون من عبادتكم ما لا يضر ولا ينفع، فتتركوا عبادته، وتعبدوا الله الذي فطر السماوات والأرض، والذي بيده النفع والضر؟ القول في تأويل قوله تعالى:
* (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ئ قلنا ينار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ئ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) *.
يقول تعالى ذكره: قال بعض قوم إبراهيم لبعض: حرقوا إبراهيم بالنار وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين يقول: إن كنتم ناصريها ولم تريدوا ترك عبادتها.
وقيل: إن الذي قال ذلك رجل من أكراد فارس. ذكر من قال ذلك: