حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن سفيان العصفري، عن فاتك بن فضالة، عن أيمن بن خريم، أن النبي (ص) قام خطيبا فقال: أيها أناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله مرتين. ثم قرأ رسول الله (ص): فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور.
ويجوز أن يكون مرادا به: اجتنبوا أن ترجسوا أنتم أيها الناس من الأوثان بعبادتكم إياها.
فإن قال قائل: وهل من الأوثان ما ليس برجس حتى قيل: فاجتنبوا الرجس منها؟
قيل: كلها رجس. وليس المعنى ما ذهبت إليه في ذلك، وإنما معنى الكلام: فاجتنبوا الرجس الذي يكون من الأوثان أي عبادتها، فالذي أمر جل ثناؤه بقوله: فاجتنبوا الرجس منها اتقاء عبادتها، وتلك العبادة هي الرجس على ما قاله ابن عباس ومن ذكرنا قوله قبل. القول في تأويل قوله تعالى:
* (حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) *.
يقول تعالى ذكره: اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان، وقول الشرك، مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له، وإفراد الطاعة والعبادة له خالصا دون الأوثان والأصنام، غير مشركين به شيئا من دونه فإنه من يشرك بالله شيئا من دونه فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحق وهلاكه وذهابه عن ربه، مثل من خر من السماء فتخطفه الطير فهلك، أو هوت به الريح في مكان سحيق، يعني من بعيد، من قولهم: أبعده الله وأسحقه، وفيه لغتان:
أسحقته الريح وسحقته، ومنه قيل للنخلة الطويلة: نخلة سحوق ومنه قول الشاعر:
كانت لنا جارة فأزعجها * قاذورة تسحق النوى قدما