أصابني، ولا قوة لي إلا ما حمل علي لو كانت عظامي من حديد وجسدي من نحاس وقلبي من حجارة، لم أطق هذا الامر ولكن هو ابتلاني وهو يحمله عني أتيتموني غضابا، رهبتم قبل أن تسترهبوا، وبكيتم من قبل أن تضربوا، كيف بي لو قلت لكم:
تصدقوا عني بأموالكم لعل الله أن يخلصني، أو قربوا عني قربانا لعل الله أن يتقبله مني ويرضى عني؟ إذا استيقظت تمنيت النوم رجاء أن أستريح، فإذا نمت كادت تجود نفسي.
تقطعت أصابعي، فإني لأرفع اللقمة من الطعام بيدي جميعا فما تبلغان فمي إلا على الجهد مني، تساقطت لهواتي ونخر رأسي، فما بين أذني من سداد، حتى إن إحداهما لترى من الأخرى، وإن دماغي ليسيل من فمي. تساقط شعري عني، فكأنما حرق بالنار وجهي، وحدقتاي هما متدليتان على خدي، ورم لساني حتى يكتفي، فما أدخل فيه طعاما إلا غصني، وورمت شفتاي حتى غطت العليا أنفي والسفلى ذقني. تقطعت أمعائي في بطني، فإني لأدخل الطعام فيخرج كما دخل، ما أحسه ولا ينفعني. ذهبت قوة رجلي، فكأنهما قربتا ماء ملئتا، لا أطيق حملهما. أحمل لحافي بيدي، وأسناني فما أطيق حمله حتى يحمله معي غيري. ذهب المال فصرت أسأل بكفي، فيطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة، فيمنها علي ويعيرني. هلك بني وبناتي، ولو بقي منهم أحد أعانني على بلائي ونفعني.
وليس العذاب بعذاب الدنيا، إنه يزول عن أهلها، ويموتون عنه، ولكن طوبى لمن كانت له راحة في الدار التي لا يموت أهلها، ولا يتحولون عن منازلهم، السعيد من سعد هنالك والشقي من شقي فيها قال يلدد: كيف يقوم لسانك بهذا القول وكيف تفصح به؟ أتقول إن العدل يجور، أم تقول إن القوي يضعف؟ ابك على خطيئتك، وتضرع إلى ربك عسى أن يرحمك ويتجاوز عن ذنبك، وعسى إن كنت بريئا أن يجعل هذا لك ذخرا في آخرتك وإن كان قلبك قد قسا فإن قولنا لن ينفعك، ولن يأخذ فيك هيهات أن تنبت الآجام في المفاوز، وهيهات أن ينبت البردي في الفلاة من توكل على الضعيف كيف يرجو أن يمنعه، ومن جحد الحق كيف يرجو أن يوفى حقه؟
قال أيوب: إني لأعلم أن هذا هو الحق، لن يفلج العبد على ربه ولا يطيق أن يخاصمه، فأي كلام لي معه وإن كان إلي القوة؟ هو الذي سمك السماء فأقامها وحده، وهو الذي يكشطها إذا شاء فتنطوي له، وهو الذي سطح الأرض فدحاها وحده، ونصب فيها الجبال الراسيات، ثم هو الذي يزلزلها من أصولها حتى تعود أسافلها أعاليها وإن كان في