فيقول له ذلك، ويرد عليه أيوب مثل ذلك. قال: وكذلك فعل بالإبل حتى ما ترك له من ماشية حتى هدم البيت على ولده، فقال: يا أيوب أرسل الله على ولدك من هدم عليهم البيوت حتى هلكوا فيقول أيوب مثل ذلك. قال: رب هذا حين أحسنت إلي الاحسان كله، قد كنت قبل اليوم يشغلني حب المال بالنهار ويشغلني حب الولد بالليل شفقة عليهم، فالآن أفرغ سمعي لك وبصري وليلي ونهاري بالذكر والحمد والتقديس والتهليل فينصرف عدو الله من عنده لم يصب منه شيئا مما يريد.
قال: ثم إن الله تبارك وتعالى قال: كيف رأيت أيوب؟ قال إبليس: أيوب قد علم أنك سترد عليه ماله وولده ولكن سلطني على جسده، فإن أصابه الضر فيه أطاعني وعصاك قال: فسلط على جسده، فأتاه فنفخ فيه نفخة قرح من لدن قرنه إلى قدمه. قال: فأصابه البلاء بعد البلاء، حتى حمل فوضع على مزبلة كناسة لبني إسرائيل. فلم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير زوجته، صبرت معه بصدق، وكانت تأتيه بطعام، وتحمد الله معه إذا حمد، وأيوب على ذلك لا يفتر من ذكر الله، والتحميد والثناء على الله والصبر على ما ابتلاه الله. قال الحسن: فصرخ إبليس عدو الله صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر أيوب فاجتمعوا إليه وقالوا له: جمعتنا، ما خبرك؟ ما أعياك؟ قال: أعياني هذا العبد الذي سألت ربي أن يسلطني على ماله وولده فلم أدع له مالا ولا ولدا، فلم يزدد بذلك إلا صبرا وثناء على الله وتحميدا له، ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل، لا يقربه إلا امرأته، فقد افتضحت بربي، فاستعنت بكم، فأعينوني عليه قال: فقالوا له: أين مكرك؟ أين علمك الذي أهلكت به من مضى؟ قال: بطل ذلك كله في أيوب، فأشيروا علي قالوا: نشير عليك، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة، من أين أتيته؟ قال: من قبل امرأته، قالوا: فشأنك بأيوب من قبل امرأته، فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها. قال: أصبتم. فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق، فتمثل لها في صورة رجل، فقال: أين بعلك يا أمة الله؟ قالت: هو ذاك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده. فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزع، فوقع في صدرها فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعم والمال والدواب، وذكرها جمال أيوب وشبابه، وما هو فيه من الضر، وأن ذلك لا ينقطع عنهم أبدا. قال الحسن: فصرخت فلما صرخت علم أن قد صرخت وجزعت، أتاها بسخلة، فقال: ليذبح هذا إلي أيوب ويبرأ، قال: فجاءت تصرخ يا أيوب، يا أيوب، حتى متى يعذبك ربك، ألا يرحمك؟ أين الماشية؟ أين المال؟ أين الولد؟