قال أيوب: أنتم قوم قد أعجبتكم أنفسكم، وقد كنت فيما خلا والرجال يوقرونني، وأنا معروف حقي، منتصف من خصمي، قاهر لمن هو اليوم يقهرني، يسألني عن علم غيب الله لا أعلمه، ويسألني، فلعمري ما نصح الأخ لأخيه حين نزل به البلاء كذلك، ولكنه يبكي معه. وإن كنت جادا فإن عقلي يقصر عن الذي تسألني عنه، فسل طير السماء هل تخبرك؟
وسل وحوش الأرض هل ترجع إليك؟ وسل سباع البرية هل تجيبك؟ وسل حيتان البحر هل تصف لك كل ما عددت؟ تعلم أن الله صنع هذا بحكمته وهيأه بلطفه. أما يعلم ابن آدم من الكلام ما سمع بأذنيه وما طعم بفيه وما شم بأنفه؟ وأن العلم الذي سألت عنه لا يعلمه إلا الله الذي خلقه، له الحكمة والجبروت وله العظمة واللطف وله الجلال والقدرة؟ إن أفسد فمن ذا الذي يصلح؟ وإن أعجم فمن ذا الذي يفصح؟ إن نظر إلى البحار يبست من خوفه، وإن أذن لها ابتلعت الأرض، فإنما يحملها بقدرته هو الذي تبهت الملوك عند ملكه، وتطيش العلماء عند علمه، وتعيا الحكماء عند حكمته، ويخسأ المبطلون عند سلطانه. هو الذي يذكر المنسي، وينسى المذكور، ويجري الظلمات والنور. هذا علمي، وخلقه أعظم من أن يحصيه عقلي، وعظمته أعظم من أن يقدرها مثلي.
قال يلدد: إن المنافق يجزى بما أسر من نفاقه، وتضل عنه العلانية التي خادع بها، وتوكل على الجزاء بها الذي عملها، ويهلك ذكره من الدنيا ويظلم نوره في الآخرة، ويوحش سبيله، وتوقعه في الأحبولة سريرته، وينقطع اسمه من الأرض، فلا ذكر فيها ولا عمران، لا يرثه ولد مصلحون من بعده، ولا يبقى له أصل يعرف به، ويبهت من يراه، وتقف الاشعار عند ذكره قال أيوب: إن أكن غويا فعلي غواي، وإن أكن بريا فأي منعة عندي؟ إن صرخت فمن ذا الذي يصرخني؟ وإن سكت فمن ذا الذي يعذرني؟ ذهب رجائي، وانقضت أحلامي، وتنكرت علي معارفي دعوت غلامي فلم يجبني، وتضرعت لامتي فلم ترحمني، وقع علي البلاء فرفضوني، أنتم كنتم أشد علي من مصيبتي. انظروا وابهتوا من العجائب التي في جسدي أما سمعتم بما أصابني وما شغلكم عني ما رأيتم بي؟ لو كان عبد يخاصم ربه، رجوت أن أتغلب عند الحكم، ولكن لي ربا جبارا تعالى فوق سماواته، وألقاني ها هنا، وهنت عليه، لا هو عذرني بعذري، ولا هو أدناني فأخاصم عن نفسي. يسمعني ولا أسمعه ويراني ولا أراه، وهو محيط بي، ولو تجلى لي لذابت كليتاي، وصعق روحي، ولو نفسني فأتكلم بملء ء فمي ونزع الهيبة مني، علمت بأي ذنب عذبني