ثاقب، ولذلك أنكرت الجن ما كانت تعرف حين قالت: وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا... إلى قوله: شهابا رصدا. قال وهب: فلم يرع إبليس إلا تجاوب ملائكتها بالصلاة على أيوب، وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه. فلما سمع إبليس صلاة الملائكة، أدركه البغي والحسد، وصعد سريعا حتى وقف من الله مكانا كان يقفه، فقال: يا إلهي، نظرت في أمر عبدك أيوب، فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك، وعافيته فحمدك، ثم لم تجربه بشدة ولم تجربه ببلاء، وأنا لك زعيم لئن ضربته بالبلاء ليكفرن بك ولينسينك وليعبدن غيرك قال الله تبارك وتعالى له: انطلق، فقد سلطتك على ماله، فإنه الامر الذي تزعم أنه من أجله يشكرني، ليس لك سلطان على جسده ولا على عقله فانقض عدو الله، حتى وقع على الأرض، ثم جمع عفاريت الشياطين وعظماءهم، وكان لأيوب البثنية من الشام كلها، بما فيها من شرقها وغربها، وكان له بها ألف شاة برعاتها، وخمس مئة فدان يتبعها خمس مئة عبد، لكل عبد امرأة وولد ومال، وحمل آلة كل فدان أتان، لكل أتان ولد من اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك. فلما جمع إبليس الشياطين، قال لهم: ماذا عندكم من القوة والمعرفة؟ فإني قد سلطت على مال أيوب، فهي المصيبة الفادحة، والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال. قال عفريت من الشياطين: أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار فأحرقت كل شئ آتي عليه. فقال له إبليس: فأت الإبل ورعاتها. فانطلق يؤم الإبل، وذلك حين وضعت رؤسها وثبتت في مراعيها، فلم تشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار تنفخ منها أرواح السموم، لا يدنو منها أحد إلا احترق، فلم يزل يحرقها ورعاتها حتى أتى على آخرها فلما فرغ منها تمثل إبليس على قعود منها براعيها، ثم انطلق يؤم أيوب، حتى وجده قائما يصلي، فقال: يا أيوب قال:
لبيك قال: هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترت وعبدت ووحدت بإبلك ورعائها؟
قال أيوب: إنها ماله أعارنيه، وهو أولى به إذا شاء نزعه، وقديما ما وطنت نفسي ومالي على الفناء. قال إبليس: وإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت ورعاتها، حتى أتى