على آخر شئ منها ومن رعاتها، فتركت الناس مبهوتين، وهم وقوف عليها يتعجبون، منهم من يقول: ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا في غرور ومنهم من يقول: لو كان إله أيوب يقدر على أن يمنع من ذلك شيئا لمنع وليه، ومنهم من يقول: بل هو فعل الذي فعل ليشمت به عدوه وليفجع به صديقه. قال أيوب: الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني، عريانا خرجت من بطن أمي، وعريانا أعود في التراب، وعريانا أحشر إلى الله، ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك الله وتجزع حين قبض عاريته، الله أولى بك وبما أعطاك، ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لنقل روحك مع ملك الأرواح، فآجرني فيك وصرت شهيدا، ولكنه علم منك شرا فأخرك من أجله فعراك الله من المصيبة وخلصك من البلاء كما يخلص الزوان من القمح الخلاص.
ثم رجع إبليس إلى أصحابه خاسئا ذليلا، فقال لهم: ماذا عندكم من القوة، فإني لم أكلم قلبه؟ قال عفريت من عظمائهم: عندي من القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه. قال له إبليس: فأت الغنم ورعاتها فانطلق يؤم الغنم ورعاتها، حتى إذا وسطها صاح صوتا جثمت أمواتا من عند آخرها ورعاءها. ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الرعاء، حتى إذا جاء أيوب وجده وهو قائم يصلي، فقال له القول الأول، ورد عليه أيوب الرد الأول. ثم إن إبليس رجع إلى أصحابه، فقال لهم: ماذا عندكم من القوة، فإني لم أكلم قلب أيوب؟ فقال عفريت من عظمائهم: عندي من القوة إذا شئت تحولت ريحا عاصفا تنسف كل شئ تأتي عليه حتى لا أبقي شيئا. قال له إبليس: فأت الفدادين والحرث فانطلق يؤمهم، وذلك حين قربوا الفدادين وأنشئوا في الحرث، والأتن وأولادها رتوع، فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف تنسف كل شئ من ذلك حتى كأنه لم يكن. ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الحرث، حتى جاء أيوب وهو قائم يصلي، فقال له مثل قوله الأول، ورد عليه أيوب مثل رده الأول.
فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله ولم ينجح منه، صعد سريعا، حتى وقف من الله الموقف الذي كان يقفه فقال: يا إلهي، إن أيوب يرى أنك ما متعته بنفسه وولده، فأنت معطيه المال، فهل أنت مسلطي على ولده؟ فإنها الفتنة المضلة، والمصيبة التي لا تقوم لها