وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: عني بقوله: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ما كان من معبود كان المشركون يعبدونه والمعبود لله مطيع وعابدوه بعبادتهم إياه بالله كفار لان قوله تعالى ذكره: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ابتداء كلام محقق لأمر كان ينكره قوم، على نحو الذي ذكرنا في الخبر عن ابن عباس، فكأن المشركين قالوا لنبي الله (ص) إذ قال لهم: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم: ما الامر كما تقول، لأنا نعبد الملائكة، ويعبد آخرون المسيح وعزيرا.
فقال عز وجل ردا عليهم قولهم: بل ذلك كذلك، وليس الذين سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدون، لأنهم غير معنيين بقولنا: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم.
فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم فقول لا معنى له لان الاستثناء إنما هو اخراج المستثنى من المستثنى منه، ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى إنما هم إما ملائكة وإما إنس أو جان، وكل هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها ب من لا ب ما، والله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حصب جهنم ب ما، قال: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم إنما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب، لا من كان من الملائكة والانس. فإذا كان ذلك كذلك لما وصفنا، فقوله: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى جواب من الله للقائلين ما ذكرنا من المشركين مبتدأ. وأما الحسنى فإنها الفعلي من الحسن، وإنما عني بها السعادة السابقة من الله لهم. كما:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى قال: الحسنى: السعادة. وقال: سبقت السعادة لأهلها من الله، وسبق الشقاء لأهله من الله. القول في تأويل قوله تعالى:
* (لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون) *.
يقول تعالى ذكره: لا يسمع هؤلاء الذين سبقت لهم منا الحسنى حسيس النار، ويعني بالحسيس: الصوت والحس.
فإن قال قائل: فكيف لا يسمعون حسيسها، وقد علمت ما روي من أن جهنم يؤتي بها يوم القيامة فتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه خوفا منها؟
قيل: إن الحال التي لا يسمعون فيها حسيسها هي غير تلك الحال، بل هي الحال التي: