نودي فقيل: يا أيوب قال: لبيك قال: أنا هذا قد دنوت منك، فقم فأشدد إزارك، وقم مقام جبار، فإنه لا ينبغي لي أن يخاصمني إلا جبار مثلي، ولا ينبغي أن يخاصمني إلا من يجعل الزمام في فم الأسد، والسخال في فم العنقاء، واللجام في فم التنين، ويكيل مكيالا من النور، ويزن مثقالا من الريح، ويصر صرة من الشمس، ويرد أمس لغد لقد منتك نفسك أمرا ما يبلغ بمثل قوتك، ولو كنت إذ منتك نفسك ذلك ودعتك إليه، تذكرت أي مرام رامت بك أردت أن تخاصمني بغيك، أم أردت أن تحاجني بخطابك، أم أردت أن تكاثرني بضعفك؟ أين كنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها؟ هل علمت بأي مقدار قدرتها؟ أم كنت معي تمد بأطرافها؟ أم تعلم ما بعد زواياها؟ أم على أي شئ وضعت أكنافها؟ أبطاعتك حمل الماء الأرض، أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء؟ أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا بعلائق ثبتت من فوقها، ولا يحملها دعم من تحتها؟ هل يبلغ من حكمتك أن تجري نورها، أو تسير نجومها، أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها؟ أين أنت مني يوم سخرت البحار وأنبعت الأنهار؟ أقدرتك حبست أمواج البحار على حدودها، أم قدر تك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها؟ أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب، ونصبت شوامخ الجبال؟ هل لك من ذراع تطيق حملها؟ أم هل تدري كم من مثقال فيها؟ أم أين الماء الذي أنزل من السماء؟ هل تدري أم تلده أو أب يولده؟ أحكمتك أحصت القطر وقسمت الأرزاق، أم قدرتك تثير السحاب وتغشيه الماء؟ هل تدري ما أصوات الرعود؟ أم من أي شئ لهب البروق؟ هل رأيت عمق البحور؟ أم هل تدري ما بعد الهواء؟ أم هل خزنت أرواح الأموات؟ أم هل تدري أين خزانة الثلج، أو أين خزائن البر، أم أين جبال البرد؟ أم هل تدري أين خزانة الليل بالنهار، وأين خزانة النهار بالليل، وأين طريق النور، وبأي لغة تتكلم الأشجار، وأين خزانة الريح، وكيف تحبسه الاغلاق، ومن جعل العقول في أجواف الرجال، ومن شق الاسماع والابصار، ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين بجبروته وقسم أرزاق الدواب بحكمته؟ ومن قسم للأسد أرزاقها وعرف الطير معايشها وعطفها على أفراخها؟ من أعتق الوحش من الخدمة، وجعل مساكنها البرية لا تستأنس بالأصوات ولا تهاب المسلطين؟ أمن حكمتك تفرعت أفراخ الطير وأولاد الدواب لأمهاتها؟ أم من حكمتك عطفت أمهاتها عليها، حتى أخرجت لها الطعام من بطونها، وآثرتها بالعيش على نفوسها؟ أم من حكمتك يبصر العقاب الصيد، فأصبح في أماكن القتلى؟ أين
(٨٤)