قلوب الرجال، ولا يقوى عليها صبرهم. فقال الله تعالى له: انطلق، فقد سلطتك على ولده، ولا سلطان لك على قلبه ولا جسده ولا على عقله فانقض عدو الله جوادا، حتى جاء بني أيوب وهم في قصرهم، فلم يزل يزلزل بهم حتى تداعى من قواعده، ثم جعل يناطح الجدر بعضها ببعض، ويرميهم بالخشب والجندل، حتى إذا مثل بهم كل مثلة، رفع بهم القصر، حتى إذا أقلة بهم فصاروا فيه منكسين، انطلق إلى أيوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة، وهو جريج، مشدوخ الوجه يسيل دمه ودماغه متغير لا يكاد يعرف من شدة التغير والمثلة التي جاء متمثلا فيها. فلما نظر إليه أيوب هاله وحزن ودمعت عيناه، وقال له: يا أيوب، لو رأيت كيف أفلت من حيث أفلت والذي رمانا به من فوقنا ومن تحتنا، ولو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف مثل بهم وكيف قلبوا فكانوا منكسين على رؤوسهم تسيل دماؤهم ودماغهم من أنوفهم وأجوافهم وتقطر من أشفارهم، ولو رأيت كيف شقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم، ولو رأيت كيف قذفوا بالخشب والجندل يشدخ دماغهم، وكيف دق الخشب عظامهم وخرق جلودهم وقطع عصبهم، ولو رأيت العصب عريانا، ولو رأيت العظام متهشمة في الأجواف، ولو رأيت الوجوه مشدوخة، ولو رأيت الجدر تناطح عليهم، ولو رأيت ما رأيت، قطع قلبك فلم يزل يقول هذا ونحوه، ولم يزل يرققه حتى رق أيوب فبكي، وقبض قبضة من تراب فوضعها على رأسه، فاغتنم إبليس عند ذلك، فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به. ثم لم يلبث أيوب أن فاء وأبصر، فاستغفر، وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبة منه، فبدروا إبليس إلى الله، فوجدوه قد علم بالذي رفع إليه من توبة أيوب، فوقف إبليس خازيا ذليلا، فقال: يا إلهي، إنما هون على أيوب خطر المال والولد أنه يرى أنك ما متعته بنفسه فأنت تعيد له المال والولد، فهل أنت مسلطي على جسده؟ فأنا لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك، وليكفرن بك، وليجحدنك نعمتك قال الله: انطلق فقد سلطتك على جسده، ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله.
فانقض عدو الله جوادا، فوجد أيوب ساجدا، فعجل قبل أن يرفع رأسه، فأتاه من قبل الأرض في موضع وجهه، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده، فترهل، ونبتت ثآليل مثل أليات الغنم، ووقعت فيه حكة لا يملكها، فحك بأظفاره حتى سقطت