كلها، ثم حك بالعظام، وحك بالحجارة الخشنة وبقطع المسوح الخشنة، فلم يزل يحكه حتى نفد لحمه وتقطع. ولما نغل جلد أيوب وتغير وأنتن، أخرجه أهل القرية، فجعلوه على تل وجعلوا له عريشا. ورفضه خلق الله غير امرأته، فكانت تختلف إليه بما يصلحه ويلزمه. وكان ثلاثة من أصحابه اتبعوه على دينه فلما رأوا ما ابتلاه الله به رفضوه من غير أن يتركوا دينه واتهموه، يقال لأحدهم يلدد، وأليفر، وصافر. قال: فانطلق إليه الثلاثة وهو في بلائه، فبكتوه فلما سمع منهم أقبل على ربه، فقال أيوب (ص): رب لأي شئ خلقتني؟
لو كنت إذ كرهتني في الخير تركتني فلم تخلقني يا ليتني كنت حيضة ألقتني أمي ويا ليتني مت في بطنها فلم أعرف شيئا ولم تعرفني ما الذنب الذي أذنبت لم يذنبه أحد غيري؟ وما العمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني؟ لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي فالموت كان أجمل بي، فأسوة لي بالسلاطين الذين صفت من دونهم الجيوش، يضربون عنهم بالسيوف، بخلا بهم عن الموت وحرصا على بقائهم، أصبحوا في القبور جاثمين، حتى ظنوا أنهم سيخلدون. وأسوة لي بالملوك الذين كنزوا الكنوز، وطمروا المطامير، وجمعوا الجموع، وظنوا أنهم سيخلدون. وأسوة لي بالجبارين الذين بنوا المدائن والحصون، وعاشوا فيها المئين من السنين، ثم أصبحت خرابا، مأوى للوحوش ومثنى للشياطين.
قال أليفر اليماني: قد أعيانا أمرك يا أيوب، إن كلمناك فما نرى للحديث منك موضعا، وإن نسكت عنك مع الذي نرى فيك من البلاء، فذلك علينا. قد كنا نرى من أعمالك أعمالا كنا نرجو لك عليها من الثواب غير ما رأينا، فإنما يحصد امرؤ ما زرع ويجزى بما عمل. أشهد على الله الذي لا يقدر قدر عظمته ولا يحصى عدد نعمه، الذي ينزل الماء من السماء فيحيي به الميت ويرفع به الخافض ويقوي به الضعيف، الذي تضل حكمة الحكماء عند حكمته وعلم العلماء عند علمه حتى تراهم من العي في ظلمة يموجون، أن من رجا معونة الله هو القوي، وإن من توكل عليه هو المكفي، هو الذي يكسر ويجبر ويجرح ويداوي.
قال أيوب: لذلك سكت فعضضت على لساني ووضعت لسوء الخدمة رأسي لأني علمت أن عقوبته غيرت نور وجهي، وأن قوته نزعت قوة جسدي، فأنا عبده، ما قضي علي