وكأن ابن عباس إن كان قرأ ذلك كذلك، أراد أنهم الذين تسجر بهم جهنم ويوقد بهم فيها النار وذلك أن كل ما هيجت به النار وأوقدت به، فهو عند العرب حضب لها.
فإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا، وكان المعروف من معنى الحصب عند العرب: الرمي، من قولهم: حصبت الرجل: إذا رميته، كما قال جل ثناؤه: إنا أرسلنا عليهم حاصبا كان الأولى بتأويل ذلك قول من قال: معناه أنهم تقذف جهنم بهم ويرمى بهم فيها. وقد ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمين: الحطب، فإن يكن ذلك كذلك فهو أيضا وجه صحيح. وأما ما قلنا من أن معناه الرمي فإنه في لغة أهل نجد. وأما قوله:
أنتم لها واردون فإن معناه: أنتم عليها أيها الناس أو إليها واردون، يقول: داخلون. وقد بينت معنى الورود فيما مضى قبل بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى:
* (لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون) *.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم أنهم ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، وهم مشركو قريش: أنتم أيها المشركون، وما تعبدون من دون الله واردو جهنم، ولو كان ما تعبدون من دون الله آلهة ما وردوها، بل كانت تمنع من أراد أن يوردكموها إذ كنتم لها في الدنيا عابدين، ولكنها إذ كانت لا نفع عندها لأنفسها ولا عندها دفع ضر عنها، فهي من أن يكون ذلك عندها لغيرها أبعد، ومن كان كذلك كان بينا بعده من الألوهة، وأن الاله هو الذي يقدر على ما يشاء ولا يقدر عليه شئ، فأما من كان مقدورا عليه فغير جائز أن يكون إلها. وقوله: وكل فيها خالدون يعني الآلهة ومن عبدها أنهم ماكثون في النار أبدا بغير نهاية وإنما معنى الكلام: كلكم فيها خالدون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون قال: الآلهة التي عبد القوم، قال: العابد والمعبود.