تاب الله عليهم، ثم عموا وصموا كثير مهم) (1) وكقوله (وأسروا النجوى) (2) ثم ابتدأ فقال (الذين ظلموا) (2).
وأولى القراء تين بالصواب عندي في ذلك، قراءة من قرأه (إما يبلغن) على التوحيد على أنه خبر عن أحدهما، لان الخبر عن الامر بالاحسان في الوالدين، قد تناهى عند قوله (وبالوالدين إحسانا) ثم ابتدأ قوله (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما).
وقوله: (فلا تقل لهما أف) يقول: فلا تؤفف من شئ تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما، واحتسب في الاجر صبرك عليه منهما، كما صبرا عليك في صغرك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
16759 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: إما يبلغان عندك الكبر فلا تقل لهما أف حين ترى الأذى، وتميط عنهما الخلاء والبول، كما كانا يميطانه عنك صغيرا، ولا تؤذهما.
وقد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى " أف "، فقال بعضهم: معناه: كل ما غلظ من الكلام وقبح. وقال آخرون: آلاف: وسخ الأظفار والتف كل ما رفعت بيدك من الأرض من شئ حقير. وللعرب في " أف " لفات ست رفعها بالتنوين وغير التنوين وخفضها كذلك ونصبها، فمن خفض ذلك بالتنوين، وهي قراءة عامة أهل المدينة. شبهها بالأصوات التي لا معنى لها، كقولهم في حكاية الصوت غاق غاق، فخفضوا القاف ونونوها، وكان حكمها السكون، فإنه لا شئ يعربها من تأجل مجيئها بعد حرف ساكن وهو الألف، فكر هوا أن يجمعوا بين ساكنين، فحركوا إلى أقرب الحركات من السكون، وذلك الكسر، لان المجزوم إذا حرك، فإنما يحرك إلى الكسر. وأما الذين خفضوا بغير تنوين، وي قراءة عامة قراء الكوفيين والبصريين، فإنهم قالوا: إنما يدخلون التنوين فيما جاء من الأصوات ناقصا، كالذي يأتي على حرفين مثل: مه وصه وبخ، فيتمم بالتنوين لنقصانه عن أبنيه الأسماء. قالوا: وأف تام لا حاجة بنا إلى تتمته بغيره، لأنه قد جاء على ثلاثة أحرف.