قالوا: وإنما كسرنا الفاء الثانية لئلا نجمع بين ساكنين. وأما من ضم ونون، فإنه قال: هو اسم كسائر الأسماء التي تعرب وليس بصوت، وعدل به عن الأصوات. وأما من ضم ذلك بغير تنوين، فإنه قال: ليس هو باسم متمكن فيعرب يإعراب الأسماء المتمكنة، وقالوا:
نضمه كما قوله (لله الامر من قبل ومن بعد) (1)، وكما نضم الاسم في النداء المفرد، فنقول: يا زيد. ومن نصبه بغير تنوين، وهو قراءة بعض المكيين وأهل الشام فإنه شبهه بقولهم: مد يا هذا ورد. ومن نصب بالتنوين، فإنه أعمل الفعل فيه، وجعله اسما صحيحا، فيقول: ما قلت له: أفا ولا تفا. وكان بعض نحويي البصرة يقول: قرئت: أف، وأفا لغة جعلوها مثل نعتها. وقرأ بعضهم " أف "، وذلك أن بعض العرب يقول: " أف لك " على الحكاية: أي لا تقل لهما هذا القول. قال: والرفع قبيح، لأنه لم يجي ة بعده بلام، والذين قالوا: " أف " فكسروا كثير، وهو أجود. وكسر بعضهم ونون. وقال بعضهم: " أفي "، كأنه أضاف هذا القول إلى نفسه، فقال: أفي هذا لكما، والمكسور من هذا منون وغير منون على أنه اسم غير متمكن، نحو أمس وما أشبهه، والمفتوح بغير تنوين كذلك. وقال بعض أهل العربية: كل هذه الحركات الست تدخل في " أف " حكاية تشبه بالاسم مرة وبالصوت أخرى. قال: وأكثر ما تكسر الأصوات بالتنوين إذا كانت على حرفين مثل صه ومه وبخ.
وإذا كانت على ثلاثة أحرف شبهت بالأدوات " أف " مثل: ليت ومد، وأف مثل مد يشبه بالأدوات (2). وإذا قال أف مثل صه. وقالوا سمعت مض يا هذا ومض. وحكي عن الكسائي أنه قال: سمعت " ما علمك أهلك إلا مض ومض "، وهذا كأف وأف. ومن قال:
" أفا " جعله مثل سحقا وبعدا.
والذي هو أولى بالصحة عندي قراءة ذلك، قراءة من قرأه: " فلا تقل لهما أف " بكسر الفاء بغير تنوين لعلتين، إحداهما: أنها أشهر اللغات فيها وأفصحها عند العرب، والثانية: أن حظ كل ما لم يكن له معرب من الكلام السكون، فلما كان ذلك كذلك.
وكانت الفاء في أف حظها الوقوف، ثم لم يكن إلى ذلك سبيل لاجتماع الساكنين فيه، وكان حكم الساكن إذا حرك أن يحرك إلى الكسر حركت إلى الكسر، كما قيل: مد وشد ورد الباب (3).
وقوله: (ولا تنهرهما) يقول جل ثناؤه: ولا تزجرهما. كما: