الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي بذكرهم إياه بالتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء والأعمال الصالحة من الصلوات المفروضة وغيرها يريدون بفعلهم ذلك وجهه لا يريدون عرضا من عرض الدنيا.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في قوله يدعون ربهم بالغداة والعشي في سورة الأنعام ، والصواب من القول في ذلك عندنا، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
والقراء على قراءة ذلك: بالغداة والعشي، وقد ذكر عن عبد الله بن عامر وأبي عبد الرحمن السلمي أنهما كانا يقرآنه: بالغدوة والعشي، وذلك قراءة عند أهل العلم بالعربية مكروهة، لان غدوة معرفة، ولا ألف ولا لام فيها، وإنما يعرف بالألف واللام ما لم يكن معرفة فأما المعارف فلا تعرف بهما. وبعد، فإن غدوة لا تضاف إلى شئ، وامتناعها من الإضافة دليل واضح على امتناع الألف واللام من الدخول عليها، لان ما دخلته الألف واللام من الأسماء صلحت فيه الإضافة وإنما تقول العرب: أتيتك غداة الجمعة، ولا تقول: أتيتك غدوة الجمعة، والقراءة عندنا في ذلك ما عليه القراء في الأمصار لا نستجيز غيرها لاجماعها على ذلك، وللعلة التي بينا من جهة العربية.
وقوله: ولا تعد عيناك عنهم يقول جل ثناؤه لنبيه (ص): ولا تصرف عيناك عن هؤلاء الذين أمرتك يا محمد أن تصبر نفسك معهم إلى غيرهم من الكفار، ولا تجاوزهم إليه وأصله من قولهم: عدوت ذلك، فأنا أعدوه: إذا جاوزته. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
17346 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: ولا تعد عيناك عنهم قال: لا تجاوزهم إلى غيرهم.
* - حدثني علي، قال: ثني عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا تعد عيناك عنهم يقول: لا تتعدهم إلى غيرهم.
17347 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
واصبر نفسك... الآية، قال: قال القوم للنبي (ص): إنا نستحيي أن نجالس فلانا وفلانا وفلانا، فجانبهم يا محمد، وجالس أشراف العرب، فنزل القرآن واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ولا تحقرهم، قال:
قد أمروني بذلك، قال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا.