تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) قال: السبيل بين ذلك الذي سن له جبرائيل من الصلاة التي عليها المسلمون. قال: وكان أهل الكتاب يخافتون، ثم يجهر أحدهم بالحرف، فيصيح به، ويصيحون هم به وراءه، فنهى أن يصيح كما يصيح هؤلاء، الصلاة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، ما ذكرنا عن ابن عباس في الخبر الذي رواه أبو جعفر، عن سعيد، عن ابن عباس، لان ذلك أصح الأسانيد التي روي عن صحابي فيه قول مخرجا، وأشبه الأقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن قوله: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) عقيب قوله (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) وعقيب تقريع الكفار بكفرهم بالقرآن، وذلك بعدهم منه ومن الايمان. فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى وأشبه بقوله (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) أن يكون من سبب ما هو في سياقه من الكلام، ما لم يأت بمعنى يوجب صرفه عنه، أو يكون على انصرافه دليل يعلم به الانصراف عما هو في سياقه.
فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: قل ادعوا الله، أو ادعوا الرحمن، أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى، ولا تجهر يا محمد بقراءتك في صلاتك ودعائك فيها ربك ومسألتك إياه، وذكرك فيها، فيؤذيك بجهرك بذلك المشركون، ولا تخافت بها فلا يسمعها أصحابك، (وابتغ بين ذلك سبيلا) ولكن التمس بين الجهر والمخافتة طريقا إلى أن تسمع أصحابك ولا يسمعه المشركون فيؤذوك. ولولا أن أقوال أهل التأويل مضت بما ذكرت عنهم من التأويل، وأنا لا نستجير خلافهم فيما جاء عنهم، لكان وجها يحتمله التأويل أن يقال: ولا تجهر بصلاتك التي أمرناك بالمخافتة بها، وهي صلاة النهار لأنها عجماء، لا يجهر بها، ولا تخافت بصلاتك التي أمرناك بالجهر بها، وهي صلاة النهار لأنها عجماء، لا يجهر بها، ولا تخافت بصلاتك التي أمرناك بالجهر بها، وهي صلاة الليل، فإنها يجهر بها (وابتغ بين ذلك سبيلا) بأن تجهر بالتي أمرناك بالجهر بها، وتخافت بالتي أمرناك بالمخافتة بها لا تجهر بجميعها، ولا تخافت بكلها، فكان ذلك وجها غير بعيد من الصحة، ولكنا لا نرى ذلك صحيحا لاجماع الحجة من أهل التأويل على خلافه. فإن قال قائل: فأية قراءة هذه التي بين الجهر والمخافتة؟ قيل:
17220 - حدثني مطر بن محمد، قال: ثنا قتيبة، ووهب بن جرير، قالا: ثنا شعبة، عن الأشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، قال: قال عبد الله: لم يخافت من أسمع أذينة.