والأرض كل له قانتون قال: كل له مطيعون، إلا ابن آدم. قال: فمن كان في هذه الآيات التي يعرف أنها منا، ويشهد عليها وهو يرى قدرتنا ونعمتنا أعمى، فهو في الآخرة التي لم يرها أعمى وأضل سبيلا.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن حجج الله على أنه المنفرد بخلقها وتدبيرها، وتصريف ما فيها، فهو في أمر الآخرة التي لم يرها ولم يعاينها، وفيما هو كائن فيها أعمى وأضل سبيلا: يقول: وأضل طريقا منه في أمر الدنيا التي قد عاينها ورآها.
وإنما قلنا: ذلك أولى تأويلاته بالصواب، لان الله تعالى ذكره لم يخصص في قوله ومن كان في هذه الدنيا أعمى عمى الكافر به عن بعض حججه عليه فيها دون بعض، فيوجه ذلك إلى عماه عن نعمه بما أنعم به عليه من تكريمه بني آدم، وحمله إياهم في البر والبحر، وما عدد في الآية التي ذكر فيها نعمه عليهم، بل عم بالخبر عن عماه في الدنيا، فهم كما عم تعالى ذكره.
واختلفت القراء في قراءة قوله فهو في الآخرة أعمى فكسرت القراء جميعا أعني الحرف الأول قوله ومن كان في هذه أعمى. وأما قوله فهو في الآخرة أعمى فإن عامة قراء الكوفيين أمالت أيضا قوله: فهو في الآخرة أعمى. وأما بعض قراء البصرة فإنه فتحه، وتأوله بمعنى: فهو في الآخرة أشد عمى. واستشهد لصحة قراءته بقوله: وأضل سبيلا.
وهذه القراءة هي أولى القراءتين في ذلك بالصواب للشاهد الذي ذكرنا عن قارئه كذلك، وإنما كره من كره قراءته كذلك ظنا منه أن ذلك مقصود به قصد عمى العينين الذي لا يوصف أحد بأنه أعمى من آخر أعمى، إذ كان عمى البصر لا يتفاوت، فيكون أحدهما أزيد عمى من الآخر، إلا بإدخال أشد أو أبين، فليس الامر في ذلك كذلك.
وإنما قلنا: ذلك من عمى القلب الذي يقع فيه التفاوت، فإنما عني به عمى قلوب الكفار، عن حجج الله التي قد عاينتها أبصارهم، فلذلك جاز ذلك وحسن. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: