الله عز وجل عن ذلك عباده، وقال لرسوله عليه الصلاة والسلام: قتل غير القاتل بالمقتول معصية وسرف، فلا تقتل به غير قاتله، وإن قتلت القاتل بالمقتول فلا تمثل به. وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والبصرة: فلا يسرف بالياء، بمعنى فلا يسرف ولي المقتول، فيقتل غير قاتل وليه. وقد قيل: عنى به: فلا يسرف القاتل الأول لأولي المقتول.
والصواب من القول في ذلك عندي، أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وذلك أن خطاب الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأمر أو نهى في أحكام الدين، قضاء منه بذلك على جميع عباده، وكذلك أمره ونهيه بعضهم، أمر منه ونهى جميعهم، إلا فيما دل فيه على أنه مخصوص به بعض دون بعض، فإذا كان ذلك كذلك بما قد بينا في كتابنا (كتاب البيان، عن أصول الاحكام) فمعلوم أن خطابه تعالى بقوله (فلا تسرف في القتل) نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن كان موجها إليه أنه معنى به جميع عباده، فكذلك نهيه ولي المقتول أو القاتل عن الاسراف في القتل، والتعدي فيه نهي لجميعهم، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب صواب القراءة في ذلك.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويلهم ذلك نحو اختلاف القراء في قراءتهم إياه. ذكر من تأول ذلك بمعنى الخطاب لرسول صلى الله عليه وسلم:
16822 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن طلق بن حبيب، في قوله: (قلا تسرف في القتل) قال: لا تقتل غير قاتله، ولا تمثل به.
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير. عن منصور، عن طلق بن حبيب، بنحوه.
الثوري، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، في قوله: (فلا تسرف في القتل) قال: لا تقتل اثنين بواحد.
16824 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فلا تسرف في القتل إنه كان منصورا) كان هذا بمكة، ونبي الله صلى عليه وسلم بها، وهو أول شئ نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون يغتالون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله تبارك وتعالى: من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم عن أن تقتلوا له أبا أخا أو أحدا من عشيرته، وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلا قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقبل أن يؤمروا بقتال المشركين، فذلك قوله: