من مثل صلي وجثي وعتي. وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب، لاستفاضة القراءة بهما في القراءة، لا تفارق بين معنييهما.
وقوله: ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا يقول: ألم ير الذين عكفوا على العجل الذي اتخذوه من حليهم يعبدونه أن العجل لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا يقول:
ولا يرشدهم إلى طريق. وليس ذلك من صفة ربهم الذي له العبادة حقا، بل صفته أنه يكلم أنبياءه ورسله، ويرشد خلقه إلى سبيل الخير وينهاهم عن سبيل المهالك والردى. يقول الله جل ثناؤه: اتخذوه: أي اتخذوا العجل إلها. وكانوا باتخاذهم إياه ربا معبودا ظالمين لأنفسهم، لعبادتهم غير من له العبادة، وإضافتهم الألوهة إلى غير الذي له الألوهة. وقد بينا معنى الظلم فيما مضى بما أغنى عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) *.
يعني تعالى ذكره بقوله: ولما سقط في أيديهم: ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف جل ثناؤه صفته عند رجوع موسى إليهم، واستسلموا لموسى وحكمه فيهم.
وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف وعاجز عن شئ: قد سقط في يديه وأسقط لغتان فصيحتان، وأصله من الاستئسار، وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه، فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره فيكتفه، فالمرمي به مسقوط في يدي الساقط به، فقيل لكل عاجز عن شئ ومصارع لعجزه متندم على ما فاته: سقط في يديه وأسقط.
وعنى بقوله: ورأوا أنهم قد ضلوا ورأوا أنهم قد جاروا عن قصد السبيل وذهبوا عن دين الله، وكفروا بربهم، قالوا تائبين إلى الله منيبين إليه من كفرهم به: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لننكونن من الخاسرين.
ثم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قراء أهل المدينة ومكة والكوفة والبصرة: لئن لم يرحمنا ربنا بالرفع على وجه الخبر. وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة:
لئن لم ترحمنا ربنا بالنصب بتأويل لئن لم ترحمنا يا ربنا، على وجه الخطاب منهم