وقال آخرون: بل هذه الآية حكمها عام في كل من ولى الدبر عن العدو منهزما. ذكر من قال ذلك.
12287 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: أكبر الكبائر: الشرك بالله، والفرار من الزحف لان الله عز وجل يقول: ومن يولهم يومئذ دبره... فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
وأولى التأويلين في هذه الآية بالصواب: عندي قول من قال: حكمها محكم، وأنها نزلت في أهل بدر، وحكمها ثابت في جميع المؤمنين، وأن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو أن يولوهم الدبر منهزمين، إلا لتحرف القتال، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الاسلام، وأن من ولا هم الدبر بعد الزحف لقتال منهزما بغير نية إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما، فقد استوجب من الله وعيده إلا أن يتفضل عليه بعفوه.
وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ وله في غير النسخ وجه إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر يقطع العذر أو حجة عقل، ولا حجة من هذين المعنيين تدل على نسخ حكم قول الله عز وجل: ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة.
وأما قوله: فقد باء بغضب من الله يقول: فقد رجع بغضب من الله، ومأواه جهنم يقول: ومصيره الذي يصير إليه في معاده يوم القيامة جهنم وبئس المصير، يقول:
وبئس الموضع الذي يصير إليه ذلك المصير. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم) *.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله ممن شهد بدرا مع رسول الله (ص) فقاتل أعداء دينه معه من كفار قريش: فلم تقتلوا المشركين أيها المؤمنون أنتم، ولكن الله قتلهم.
وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلى نفسه، ونفاه عن المؤمنين به الذين قاتلوا المشركين، إذ كان