عمران. والهاء والميم اللتان في قوله: من بعدهم هي كناية ذكر الأنبياء عليهم السلام التي ذكرت من أول هذه السورة إلى هذا الموضع. بآياتنا يقول: بحججنا وأدلتنا إلى فرعون وملئه، يعني: إلى جماعة فرعون من الرجال. فظلموا بها يقول: فكفروا بها.
والهاء والألف اللتان في قوله بها عائدتان على الآيات. ومعنى ذلك: فظلموا بآياتنا التي بعثنا بها موسى إليهم. وإنما جاز أن يقال: فظلموا بها، بمعنى: كفروا بها، لان الظلم:
وضع الشئ في غير موضعه، وقد دللت فيما مضى على أن ذلك معناه بما أغنى عن إعادته.
والكفر بآيات الله: وضع لها في غير موضعها، وصرف لها إلى غير وجهها الذي عنيت به.
(فانظر كيف كان عاقبة المفسدين يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): فانظر يا محمد بعين قلبك كيف كان عاقبة هؤلاء الذين أفسدوا في الأرض، يعني فرعون وملأه، إذ ظلموا بآيات الله التي جاءهم بها موسى عليه السلام، وكان عاقبتهم أنهم أغرقوا جميعا في البحر. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقال موسى يفرعون إني رسول من رب العالمين) *.
يقول جل ثناؤه: وقال موسى لفرعون: يا فرعون إني رسول من رب العالمين. القول في تأويل قوله تعالى:
* (حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ئ قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين) *.
اختلفت القراء في قراءة قوله: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق فقرأه جماعة من قراء المكيين والمدنيين والبصرة والكوفة: حقيق على أن لا أقول بإرسال الياء من على وترك تشديدها، بمعنى: أنا حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق، فوجهوا معنى على إلى معنى الباء، كما يقال: رميت بالقوس وعلى القوس، وجئت على حال حسنة، وبحال حسنة. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: إذا قرئ ذلك كذلك، فمعناه: حريص على أن لا أقول إلا بحق. وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة: حقيق على أن لا أقول بمعنى: واجب علي أن لا أقول، وحق علي أن لا أقول.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا