ب " من "، فقيل لذلك ما، ثم قيل: وهم، فأخرجت كنايتهم مخرج كناية بني آدم، لان الخبر عنها بتعظيم المشركين إياها نظير الخبر عن تعظيم الناس بعضهم بعضا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون) *.
يقول تعالى ذكره: أيشرك هؤلاء المشركون في عبادة الله ما لا يخلق شيئا من خلق الله، ولا يستطيع أن ينصرهم إن أراد الله بهم سوءا أو أحل بهم عقوبة، ولا هو قادر إن أراد به سوءا نصر نفسه ولا دفع ضر عنها، وإنما العابد يعبد ما يعبده لاجتلاب نفع منه أو لدفع ضر منه عن نفسه، وآلهتهم التي يعبدونها ويشركونها في عبادة الله لا تنفعهم ولا تضرهم، بل لا تجتلب إلى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرا، فهي من نفع غير أنفسها أو دفع الضر عنها أبعد. يعجب تبارك وتعالى خلقه من عظيم خطأ هؤلاء الذين يشركون في عبادتهم الله غيره.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) *.
يقول تعالى ذكره في وصفه وعيبه ما يشرك هؤلاء المشركون في عبادتهم ربهم إياه:
ومن صفته أنكم أيها الناس إن تدعوهم إلى الطريق المستقيم، والامر الصحيح السديد لا يتبعوكم لأنها ليست تعقل شيئا، فتترك من الطرق ما كان عن القصد منعدلا جائرا، وتركب ما كان مستقيما سديدا. وإنما أراد الله جل ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها تنبيههم على عظيم خطئهم، وقبح اختيارهم، يقول جل ثناؤه: فكيف يهديكم إلى الرشاد من إن دعي إلى الرشاد وعرفه لم يعرفه، ولم يفهم رشادا من ضلال، وكان سواء دعاء داعيه إلى الرشاد وسكوته، لأنه لا يفهم دعاءه، ولا يسمع صوته، ولا يعقل ما يقال له؟ يقول:
فكيف يعبد من كانت هذه صفته، أم كيف يشكل عظيم جهل من اتخذ ما هذه صفته إلها؟
وإنما الرب المعبود هو النافع من يعبده، الضار من يعصيه، الناصر وليه، الخاذل عدوه، الهادي إلى الرشاد من أطاعه، السامع دعاء من دعاه. وقيل: سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون فعطف بقوله: صامتون، وهو اسم على قوله: أدعوتموهم، وهو فعل ماض، ولم يقل: أم صمتم، كما قال الشاعر: