وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله عز وجل أنه أملك لقلوب عباده منهم، وإنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر، أو أن يعي به شيئا، أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته. وذلك أن الحول بين الشئ والشئ إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شئ أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل، وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك قول من قال: يحول بين المؤمن والكفر وبين الكافر والايمان، وقول من قال: يحول بينه وبين عقله، وقول من قال: يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه لان الله عز وجل إذا حال بين عبد وقلبه، لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما منع إدراكه به على ما بينت. غير أنه ينبغي أن يقال: إن الله عم بقوله:
واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه الخبر عن أنه يحول بين العبد وقلبه، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئا دون شئ، والكلام محتمل كل هذه المعاني، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له.
وأما قوله: وأنه إليه تحشرون فإن معناه: واعلموا أيها المؤمنون أيضا مع العلم بأن الله يحول بين المرء وقلبه، أن الله الذي يقدر على قلوبكم، وهو أملك بها منكم، إليه مصيركم ومرجعكم في القيامة، فيوفيكم جزاء أعمالكم، المحسن منكم بإحسانه والمسئ بإساءته، فاتقوه وراقبوه فيما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه، وأن لا تستجيبوا لرسوله إذا دعاكم لما يحييكم، فيوجب ذلك سخطه، وتستحقوا به أليم عذابه حين تحشرون إليه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) *.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: اتقوا أيها المؤمنون فتنة، يقول: اختبارا من الله يختبركم، وبلاء يبتليكم، لا تصيبن هذه الفتنة التي حذرتكموها الذين ظلموا، وهم الذين فعلوا ما ليس لهم فعله، إما أجرام أصابوها وذنوب بينهم وبين الله ركبوها، يحذرهم جل ثناؤه أن يركبوا له معصية أو يأتوا مأثما يستحقون بذلك منه عقوبة. وقيل: إن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله (ص)، وهم الذين عنوا بها. ذكر من قال ذلك:
12342 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن إبراهيم، قال: ثنا الحسن بن