كانت تأتيهم يوم السبت، فإذا كان المساء ذهبت فلا يرى منها شئ إلى السبت، فاتخذ لذلك رجل منهم خيطا ووتدا، فربط حوتا منها في الماء يوم السبت، حتى إذا أمسوا ليلة الأحد أخذه فاشتواه، فوجد الناس ريحه، فأتوه فسألوه عن ذلك، فجحدهم، فلم يزالوا به حتى قال لهم: فإنه جلد حوت وجدناه فلما كان السبت الآخر فعل مثل ذلك، ولا أدري لعله قال: ربط حوتين، فلما أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه، فوجدوا ريحه، فجاؤوا فسألوه، فقال لهم: لو شئتم صنعتم كما أصنع، فقالوا له: وما صنعت؟ فأخبرهم، ففعلوا مثل ما فعل، حتى كثر ذلك. وكانت لهم مدينة لها ربض، فغلقوها عليهم، فأصابهم من المسخ ما أصابهم، فغدا إليهم جيرانهم ممن كان يكون حولهم، يطلبون منهم ما يطلب الناس، فوجدوا المدينة مغلقة عليهم، فنادوا فلم يجيبوهم، فتسوروا عليهم، فإذا هم قردة، فجعل القرد يدنو يتمسح بمن كان يعرف قبل ذلك ويدنو منه ويتمسح به.
وقال آخرون: بل الفرقة التي قالت: لم تعظون قوما الله مهلكهم كانت من الفرقة الهالكة. ذكر من قال ذلك:
11867 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر... إلى قوله: شرعا قال: قال ابن عباس: ابتدعوا السبت، فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان، فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت، فلم تر حتى السبت المقبل، فإذا جاء السبت جاءت شرعا. فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا كذلك، ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا فخزم أنفه، ثم ضرب له وتدا في الساحل وربطه وتركه في الماء، فلما كان الغد أخذه فشواه فأكله. ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون، ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه، حتى ظهر ذلك في الأسواق وفعل علانية، قال: فقالت طائفة للذين ينهون: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم في سخطنا أعمالهم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به... إلى قوله: قلنا لهم كونوا قردة خاسئين. قال ابن عباس: كانوا أثلاثا: ثلث نهوا، وثلث قالوا: لم تعظون قوما الله مهلكهم، وثلث أصحاب الخطيئة.
فما نجا إلا الذين نهوا، وهلك سائرهم، فأصبح الذين نهوا عن السوء ذات يوم في