والأوثان سخطي، لأحل بهم عقوبتي فأهلكهم كما أهلكت من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، فكثيرا ما أهلكت قبلهم من أهل قرى عصوني وكذبوا رسلي وعبدوا غيري.
فجاءها بأسنا بياتا يقول: فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلا قبل أن يصبحوا، أو جاءتهم قائلين، يعني نهارا في وقت القائلة. وقيل: وكم لان المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السالفة من المثلاث بتكذيبهم رسله وخلافهم عليه، وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد، كما قال الفرزدق:
كم عمة لك يا جرير وخالة * فدعاء قد حلبت علي عشاري فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره إنما أخبر أنه أهلك قرى، فما في خبره عن إهلاكه القرى من الدليل على إهلاكه أهلها؟ قيل: إن القرى لا تسمى قرى ولا القرية قرية إلا وفيها مساكن لأهلها وسكان منهم، ففي إهلاكها من فيها من أهلها. وقد كان بعض أهل العربية يرى أن الكلام خرج مخرج الخبر عن القرية، والمراد به أهلها. والذي قلنا في ذلك أولى بالحق لموافقته ظاهر التنزيل المتلو.
فإن قال قائل: وكيف قيل: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون وهل هلكت قرية إلا بمجئ بأس الله وحلول نقمته وسخطه بها؟ فكيف قيل أهلكناها فجاءها وإن كان مجئ بأس الله إياها بعد هلاكها؟ فما وجه مجئ ذلك قوما قد هلكوا وبادوا ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم؟ قيل: إن لذلك من التأويل وجهين كلاهما صحيح واضح منهجه: أحدهما أن يكون معناه: وكم من قرية أهلكناها بخذلاننا إياها عن اتباع ما أنزلنا إليها من البينات والهدى واختيارها اتباع أمر أوليائها، المغويها عن طاعة ربها، فجاءها بأسنا إذ فعلت ذلك بياتا، أو هم قائلون. فيكون إهلاك الله إياها: خذلانه لها عن طاعته، ويكون مجئ بأس الله إياهم جزاء لمعصيتهم ربهم بخذلانه إياهم. والآخر منهما: أن يكون الاهلاك هو البأس بعينه. فيكون في ذكر الاهلاك الدلالة