وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تماما لنعمنا عنده على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا لان ذلك أظهر معانيه في الكلام، وأن إيتاء موسى كتابه نعمة من الله عليه ومنة عظيمة، فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحسن طاعة. ولو كان التأويل على ما قاله ابن زيد كان الكلام: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسنا، أو: ثم آتي الله موسى الكتاب تماما على الذي أحسن. وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب ثم صرفه الخبر بقوله:
أحسن، إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين، الدليل الواضح على أن القول غير القول الذي قاله ابن زيد. وأما ما ذكر عن مجاهد من توجيهه الذي إلى معنى الجميع فلا دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك، بل ظاهر الكلام بالذي اخترنا من القول أشبه. وإذا تنوزع في تأويل الكلام كان أولى معانيه به أغلبه على الظاهر، إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح على أنه معنى به غير ذلك.
وأما قوله: وتفصيلا لكل شئ فإنه يعني: وتبيينا لكل شئ من أمر الدين الذي أمروا به.
فتأويل الكلام إذن: ثم آتينا موسى التوراة تماما لنعمنا عنده وأيادينا قبله، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربه وقيامه بما كلفه من شرائع دينه، وتبيينا لكل ما لقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم. كما:
11034 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وتفصيلا لكل شئ فيه حلاله وحرامه.
القول في تأويل قوله تعالى: وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون.
يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تماما وتفصيلا لكل شئ. وهدى يعني بقوله وهدى: تقويما لهم على الطريق المستقيم، وبيانا لهم سبل الرشاد لئلا يضلوا.
ورحمة يقول: ورحمة منا بهم، ورأفة، لننجيهم من الضلالة وعمى الحيرة.
وأما قوله: لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون فإنه يعني: إيتائي موسى الكتاب تماما لكرامة الله موسى على إحسان موسى، وتفصيلا لشرائع دينه، وهدى لمن اتبعه ورحمة لمن كان منهم ضالا، لينجيه الله به من الضلالة، وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي وعظ