ومن بعدها تلقى موسى أول جمله من الوحي على شكل ثلاثة أمور: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري شرعت هذه الآية في بيان أهم أصل لدعوة الأنبياء في هذه الآية، ألا وهو مسألة التوحيد، وبعدها ذكرت موضوع عبادة الله الواحد كثمرة لشجرة الإيمان والتوحيد، ثم أصدرت له أمر الصلاة بعد ذلك، وهي تعني أكبر عبادة وأهم ارتباط بين الخلق والخالق، وأكثر الطرق تأثيرا في عدم الغفلة عن الذات المقدسة.
إن هذه الأوامر الثلاثة، مع أمر الرسالة الذي ورد في الآية السابقة، ومسألة المعاد التي تأتي في الآية التالية، تشكل مجموعة كامله ومضغوطة من أصول الدين وفروعه، وتكملها بالأمر بالاستقامة الذي سيأتي في آخر الآيات مورد البحث.
ولما كان المعاد هو الأصل والأساس الثاني، فبعد ذكر التوحيد وأغصانه وفروعه، أضافت الآية التالية: إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تعسى.
في هذه الجملة نقطتان يجب الالتفات إليهما:
الأولى: إن معنى جملة أكاد أخفيها: يقرب أن أخفي تاريخ قيام القيامة، ولازم هذا التعبير أني لم أخفه من قبل، ونحن نعلم بصريح كثير من آيات القرآن، أن أحدا لم يطلع على تاريخ القيامة، كما في الآية (187) من سورة الأعراف حيث نقرأ: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي.
لقد بحث المفسرون هذا الموضوع، فالكثير منهم يعتقد أن هذا التعبير نوع من المبالغة ومعناه: إن وقت بدء وقيام القيامة مخفي ومجهول إلى الحد الذي أكاد أخفيه حتى عن نفسي. وقد وردت في هذا الباب رواية أيضا، ويحتمل أن هذه الفئة من المفسرين قد اقتبسوا رأيهم من تلك الرواية.
والتفسير الآخر هو أن مشتقات (كاد) لا تعني دائما الإقتراب، بل تأتي