تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ٢ - الصفحة ٥٢٠
والشهداء: المقتولين في سبيل الله.
والصالحين: الذين صلحت حالهم، واستقامت طريقتهم.
وكلمة " من " مع ما يتبعها، بيان ل‍ " الذين " أو حال منه أو من ضميره.
وحسن أولئك رفيقا: فيه معنى التعجب.
و " رفيقا " نصب على التميز، أو الحال. ولم يجمع، لأنه يقال للواحد والجمع، كالصديق. أو لأنه أريد به، وحسن كل واحد منهم رفيقا.
وفي أصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسين بن علوان الكلبي، عن علي بن الحزور الغنوي، عن الأصبغ بن نباتة الحنظلي قال: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله؟ فقام إليه أبو أيوب الأنصاري فقال: بلى يا أمير المؤمنين حدثنا، فإنك كنت تشهد ونغيب، فقال: إن خير خلق الله يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد بهم إلا جاحد، فقام عمار بن ياسر (رحمه الله) فقال: يا أمير المؤمنين، سمهم لنا فلنعرفنهم فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله، الرسل، وإن أفضل الرسل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن أفضل كل أمة بعد نبيها، وصي نبيها حتى يدركه نبي، الا وأن أفضل الأوصياء وصى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، الا وأن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء، الا وأن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره، شئ كرم الله به محمد (صلى الله عليه وآله) وشرفه، والسبطان الحسن والحسين (عليهما السلام)، والمهدي يجعله الله من شاء منا أهل البيت، ثم قرأ هذه الآية: " ومن يطع الله - إلى - وحسن أولئك رفيقا " (1) (2).

(١) (علوان) بضم العين وسكون اللام، و (الحزور) بالفتحات وتشديد الواو، و (الغنوي) بفتحتين، و (نباتة) بضم النون، و (الحنظلي) نسبة إلى حنظلة بن مالك أبي بطن من تميم، و (نغيب) بصيغة المتكلم، أي كنت تحضر دائما عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنا نغيب أحيانا في الغزوات وغيرها، مع أنه (صلوات الله عليه) كان يدخل مداخل من الخلوات لا يدخل فيها غيره، وفي بعض النسخ بصيغة الخطاب، أي تغيب بعد ذلك عنا، والأول أظهر، والمراد بالرسل أولوا العزم أو الأعم منهم وممن له كتاب من غيرهم، أو جميع الأنبياء والأوصياء والأوصياء وهم النبيون والصديقون والأوصياء، والمراد بالشهداء من استشهد من غير الأنبياء والأوصياء بقرينة المقابلة، فالمراد بقوله:
(أفضل الشهداء) أفضلهم من غير المعصومين، فلا ينافي فضل الشهداء من الأئمة (عليهم السلام)، (خضيبان) أي ملونان بلون دمه، (لم ينحل) أي لم يعط، و (جناحان) بالرفع على ما في النسخ، حكاية للسابق، وإلا فالظاهر (جناحين) ويمكن حمله على أنه لم ينحل أحد قبله، أو من جملة الصحابة، فلا ينافي اعطاؤهما العباس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام) كما ورد في الخبر، وإعطاء الجناحين إما في الجسد الأصلي في الآخرة في جنة الخلد، أو في الجسد المثالي في البرزخ في جنة الدنيا، أو الجسد الأصلي أيضا في البرزخ، و (السبطان) مبتدأ خبره محذوف، أي منهم السبطان، وكذا (المهدي) منصوب بفعل مضمر يفسره (يجعله) فالسبعة: النبي وعلي والحسن والحسين والمهدي وحمزة وجعفر، وكونهم (خير الخلق) إما إضافي بالنسبة إلى غير سائر الأئمة (عليهم السلام)، أو المراد خيرته كل منهم بالنسبة إلى صنفهم، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الأنبياء، وعلي أفضل الأوصياء بلا واسطة، والحسنان والمهدي أفضل الأئمة (عليهم السلام)، وحمزة وجعفر أفضل الشهداء غير المعصومين، واكتفى من ذكر سائر الأئمة بذكر أولهم وآخرهم، أو هو محمول على التقية، أو هو من أخبار المخالفين ذكر إلزاما عليهم كما سيأتي، وعلى بعض الوجوه المراد بالصالحين سائر الأئمة، وعلى بعضها لمن لم يرتكب كبيرة أو لم يصر عليها وعلى الصغائر (أولئك) إشارة إلى الذين، و (رفيقا) تمييز عن النسبة، و (ذلك) إشارة إلى حسن حال رفيقهم، و (الفضل) خبر، أو الفضل صفة ذلك والظرف خبر.
وأقول: قد روي مثل هذا الخبر من طرق المخالفين: روى السيد في الطرائف من مناقب ابن المغازلي الشافعي يرفعه إلى أبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين والآخرين من قبلنا، أو قال: الأنبياء، ولا يدركه أحد من الآخرين غيرنا، نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا أفضل الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا أفضل الشهداء وهو حمزة عمك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء وهو ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة، وهما إبناك، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة (مرآة) العقول: ج ٥ ص ٢٦٢ - ٢٦٤).
الكافي: ج ١ ص ٤٥٠، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته، ح ٣٤.
أقول: روى الحافظ الكبير عبيد الله بن أحمد، المعروف بالحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي النيسابوري روايات بهذا المضمون، لاحظ شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٥٤، ح 207 و 208 و 209.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(٥٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 515 516 517 518 519 520 522 523 524 525 526 ... » »»
الفهرست