على أننا لو سلمنا بالانقطاع المذكور، فلا يضر في صحة الحديث لأنه قد جاء من طريقين آخرين موصولين، من رواية ثقتين اثنين عن عبد الله بن عكيم.
الأول: عند النسائي وأحمد وغيرهما من طريق شريك عن هلال الوزان عن عبد الله بن عكيم قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهينة! الحديث ورجاله ثقات، وفي شريك ضعف من قبل حفظه.
الثاني: أخرجه الطحاوي والبيهقي (1 / 25) عن صدقة بن خالد عن يزيد بن أبي مريم عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عكيم قال: ثني أشياخ جهينة قالوا: أتانا كتاب من رسول صلى الله عليه وسلم، أو قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تتنفعوا من الميتة بشئ.
قلت: وهذا اسناد صحيح موصول عندي. رجاله كلهم معروفون ثقات من رجال الصحيح وأشياخ جهينة من الصحابة فلا يضر الجهل بأسمائهم كما هو ظاهر، وهذا الاسناد يبين أن قول ابن عكيم في رواية ابن أبي ليلى عنه " قرئ علينا "، " كتب إلينا... " إنما يعني بذلك قومه من الصحابة فهم الذين جاءهم الكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرئ عليهم، ومن الجائز أن يكون ابن عكيم كان حاضرا حين قراءته فإنه أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يسمع منه كما قال البخاري وغيره، وهذا الذي استجزناه، جزم به الحافظ في " التقريب ": فقال في ترجمته: " وقد سمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهينة ".
وعلى ذلك فالروايتان صحيحتان لا اختلاف بينهما، فإعلال الحافظ إياه بالارسال في " التلخيص " (ص 17) مما لا وجه له في النقد العلمي الصحيح.
فإن ابن عكيم وإن لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فقد سمع كتابه المرسل إلى قبيلته باعتراف الحافظ نفسه.
وقد أعل الحديث بعلل أخرى مثل الانقطاع بين ابن أبي ليلى وابن عكيم، وقد عرفت أنه مبني على وهم للحافظ رحمه الله كما سبق بيانه فلا يلتفت إليه.
ونحوه العلل الأخرى كالاضطراب في سنده ومتنه، فإنه لا يخدج في صحة الحديث لوجهين: