فكابروا الحس والعقل فحملوا الأحاديث على الحسيات، فرأيت الرد عليهم لازما لئلا ينسب الإمام إلى ذلك، وإذا سكت نسبت إلى اعتقاد ذلك، ولا يهولني أمر عظيم في النفوس لأن العمل على الدليل، وخصوصا في معرفة الحق لا يجوز فيه التقليد (23).
فصل فإن قال قائل: ما الذي دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بألفاظ موهمة للتشبيه؟
قلنا: إن الخلق غلب عليهم الحس فلا يكادون يعرفون غيره، وسببه المجانسة لهم في الحديث، فعبد قوم النجوم وأضافوا إليها المنافع والمضار، وعبد قوم النور وأضافوا إليه الخير، وأضافوا الشر إلى الظلمة، وعبد قوم الملائكة، وقوم الشمس وقوم عيسى، وقوم عزير، وعبد قوم البقر والأكثرون الأصنام فآنست نفوسهم بالحس المقطوع بوجوده ولذلك قال قوم (سيدنا) موسى عليه السلام: (اجعل لنا إلها) الأعراف: 137، فلو جاءت الشرائع بالتنزيه المحض جاءت بما يطابق النفي فلما قالوا: " صف لنا ربك " نزلت (قل هو الله أحد) الإخلاص: 1، ولو قال لهم ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا يشغل الأمكنة ولا يحويه مكان ولا جهة من الجهات الست وليس بمتحرك ولا ساكن ولا يدركه الاحساس لقالوا: حد لنا النفي بأن تميز ما تدعونا إلى عبادته عن النفي وإلا فأنت تدعو إلى عدم.