دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه - أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي - الصفحة ٢٢١
الحديث الحادي والثلاثون روت خولة بنت حكيم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " آخر وطأة وطئها الرحمن بوج " (158) ووج واد بالطائف، وهي آخر وقعة أوقعها الله بالمشركين على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(58 ا) هذا حديث ضعيف وسنده منقطع، ومتنه بالموضوع أشبه وهو منكر بلا ريب.
رواه الطبراني في " معجمه الكبير " (24 / 241 برقم 614 و 609) من طريق سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت ابن أبي سويد يقول سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة، وإن آخر وطأة وطأها الله عز وجل بوج ".
ورواه من هذا الطريق عن خولة البيهقي في " الأسماء والصفات " ص (461) والإمام أحمد في " مسنده " (6 / 409).
قلت: وهذا إسناد ضعيف منقطع لأن ابن أبي سويد واسمه محمد مجهول كما في التقريب " والصحيح أنه لم يرو عنه إلا إبراهيم بن ميسرة.
وسيدنا عمر بن عبد العزيز لم يدرك خوله، فهذا إسناد لا ينفع حتى في الشواهد والمتابعات.
وروي هذا الحديث من طريق آخر دون ذكر لفظة: " وإن آخر وطأة وطأها الله عز وجل بوج " المستبشعة.
فقد روى الإمام أحمد (4 / 172) وابن ماجة (2 / 1209 برقم 3666) وابن أبي شيبة (7 / 512 برقم 6 دار الفكر) من طريق سعيد بن أبي راشد عن يعلى العامري بلفظ:
" جاء حسن وحسين رضي الله عنهما يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه وقال إن الولد مبخلة مجبنة ".
زاد أحمد في روايته: " وإن آخر وطأة وطئها الرحمن عز وجل بوج " قلت: سعيد بن أبي راشدمجهول، ولم يرو عنه غير عبد الله بن عثمان، ولم يرو عن يعلى العامري وإنما روى عن رجل آخر وهو يعلى بن مرة الثقفي كما في ترجمته من " تهذيب التهذيب " (4 / 24 دار الفكر) ويعلى العامري ليس صحابيا حتى يحكي رؤيته لسيدنا الحسن وسيدنا الحسين وهما يستبقان لرسول الله صلى الله عليه وسلم...!!
وقد حصل اضطراب في هذا السند أيضا، فتارة يرويه سعيد بن أبي راشد عن يعلى العامري وتارة عن يعلى بن مرة وتارة عن يعلى بن أمية، فقد رواه البيهقي في سننه (10 / 202) وفي " الأسماء والصفات " ص (461) والحاكم في " المستدرك " (3 / 164) عن يعلى بن مرة الثقفي، ويعلى الثقفي صحابي كما في " تهذيب التهذيب " (11 / 355) لكن وقع في سند البيهقي والحاكم يعلى بن منبه الثقفي وأظنه تصحيف. وقد كتب المصحح لسنن البيهقي: " بن أمية " وبذلك لا يصح الحديث البتة، وخصوصا بالزيادة المنكرة التي فيها ذكر الوطأة ووادي وج.
قلت: ورواه الحاكم أيضا في المستدرك (3 / 296) من طريق آخر دون الزيادة المنكرة فقال:
" أخبرنا معمر عن ابن خثيم عن محمد بن الأسود بن خلف عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ حسينا فقبله ثم أقبل عليهم فقال: إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة ".
قال الذهبي في " الميزان " (3 / 485):
" محمد بن أسود بن خلف، عن أبيه... لا يعرف هو ولا أبوه. تفرد عنه عبد الله بن عثمان بن خثيم " ا ه وذكر البخاري في " تاريخه " (1 / 29) راو آخر عنه وهو أبو الزبير بالعنعنة وهو مدلس، فلا ينفع هذا، وذكره ابن حبان في الثقات، ولا ينفع ذلك أيضا.
قلت: ومنه تعلم أن المحدث!! المتناقض!! قد أخطأ حين صحح الحديث في " صحيح ابن ماجة " (2 / 295 برقم 2957) وفي " صحيح الجامع وزيادته " برقم (1985 و 1986) لأنه قلد في ذلك المناوي في " فيض القدير " (2 / 403) والله الهادي.
وملخص الكلام في هذا الحديث أن شطره الأول: " إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة " قد يحسن لغيره لبعض شواهد ضعيفة أيضا كحديث السيدة عائشة رضي الله عنها في " شرح السنة للبغوي " (13 / 35) وحديث أبي سعيد الخدري عند البزار (برقم 1891 و 1892). وأما شطره الثاني: " آخر وطأة وطئها الرحمن بوج " فمنكر تالف وهو بالموضوع أشبه.