دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه - أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي - الصفحة ١٤٣
فصل ذكر الأحاديث التي سموها أخبار الصفات إعلم أن للأحاديث دقائق وآفات لا يعرفهما إلا العلماء الفقهاء (65)، تارة في نظمها، وتارة في كشف معناها، وسنوضح بعض ذلك إن شاء الله تعالى.
(65) ذلك أن الحفاظ عرفوا الحديث الصحيح وحدوه بخمسة أشياء أو شروط وهي:
1) اتصال السند 2) عدالة الراوي 3) ضبطه 4) عدم الشذوذ 5) عدم العلة.
ولأن أكثر الحفاظ لم يجمعوا بين الفقه والحديث فلم يراعوا حقيقة الشرط الرابع والخامس الذي وضعوه غالبا لأننا لا ننفي أنهم يحكمون أحيانا على الحديث بالشذوذ أو بأنه معلول إلا أن ذلك قليل في الواقع.
وها هم يأتون في كلامهم على الحديث المعلل بحديث سيدنا أنس الذي في صحيح مسلم: " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أول القراءة ولا آخرها " ويقولون:
إن عبارة " لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أول القراءة ولا آخرها " ليست من كلام سيدنا أنس وإنما هي من كلام الراوي عنه، لأنه فهم من كلام سيدنا أنس في قوله: " يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " أنه يعني أنهم ما كانوا يقرأون البسملة، وليس مراد سيدنا أنس ذلك، وإنما مراده أنهم كانوا يبدأون القراءة بسورة الحمد لله رب العالمين لا بالسورة الصغيرة.
وهكذا فإن هذه العلل أو الشذوذات الدقيقة لا يستطيع الحافظ الذي لم يشتغل بالفقه أن يدركها ويحكم بشذوذ الحديث أو عليته، وإنما هذا من اختصاص الحافظ الفقيه، وسأعقد إن شاء الله تعالى ملحقا آخر هذا الكتاب في هذه المسألة.