فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ولا على العباس ما كان منهما من القول الذي ذكرناه عنهما فدل ذلك أنه لولا جوار العباس رضي الله عنه إذا لما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فيما أراد من قتل أبي سفيان فأي خروج من الصلح منعدم وأي نقض له يكون أبين من هذا ثم أبو سفيان لما دخل مكة بعد ذلك نادى بأعلى صوته بما جعله له رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ولم يقل له قريش وما حاجتنا إلى دخولنا دارك وإلى إغلاقنا أبوابنا ونحن في أمان قد أغنانا عن طلب الأمان بغيره ولكنهم عرفوا خروجهم من الأمان الأول وانتقاض الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم عندما خوطبوا بما خوطبوا به من هذا الكلام غير آمنين إلا أن يفعلوا ما جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم به آمنين أن يفعلوه من دخولهم دار أبي سفيان أو من إغلاقهم أبوابهم ثم قد روي عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وهي دار حرب لا دار أمان حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق قال حدثني سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فر إلى رجلان من أحمائي من بني مخزوم وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي فدخل علي أخي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لأقتلنهما فغلقت عليهما بيتي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فوجدته يغتسل في جفنة إن فيها أثر العجين وفاطمة ابنته رضي الله عنها تستره بثوب فلما أغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى صلى الله عليه وسلم من الضحى ثماني ركعات ثم أنصرف إلي فقال مرحبا وأهلا بأم هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي رضي الله عنه فقال قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر الزهراني قال ثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري رضي الله عنه عن أبي مرة مولى عقيل عن فاختة أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل يوم فتح مكة ثم صلى ثماني ركعات في ثوب واحد مخالفا بين طرفيه قالت فقلت إني أجرت حموي من المشركين وأن عليا رضي الله عنه يفلت عليهما ليقتلهما قالت فقال ما كان له ذلك قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت أفلا ترى أن عليا رضي الله عنه قد أراد قتل المخزوميين لمكة ولو كانا في أمان لما طلب ذلك منهما
(٣٢٣)