وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لهم لا حجة لكم في هذا الحديث لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يقاتل قوما لا يوحدون الله تعالى فكان أحدهم إذا وحد الله علم بذلك تركه لما قوتل عليه وخروجه منه ولم يعلم بذلك دخوله في الاسلام أو في بعض الملل التي توحد الله تعالى ويكفر بجحدها وغير ذلك من الوجوه التي يكفر بها أهلها مع توحيدهم لله فكان حكم هؤلاء أن لا يقاتلوا إذا وقعت هذا الشبهة حتى تقوم الحجة على من يقاتلهم وجوب قتالهم فلهذا كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال من كان يقاتل بقولهم لا إله إلا الله فأما من سواهم من اليهود فإنا قد رأيناهم يشهد وأن لا إله إلا الله ويجحدون بالنبي صلى الله عليه وسلم فليسوا بإقرارهم بتوحيد الله مسلمين إن كانوا جاحدين برسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أقروا برسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك خروجهم من اليهودية ولم يعلم به دخولهم في الاسلام لأنه قد يجوز أن يكونوا انتحلوا قول من يقول إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العرب خاصة وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب حين بعثه إلى خيبر وأهلها يهود بما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع الراية إلى علي حين وجهه إلى خيبر قال أمض ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أباح له قتالهم وإن شهدوا أن لا إله إلا الله حتى يشهدوا مع ذلك أن محمدا رسول الله لأنهم قوم كانوا يوحدون الله ولا يقرون برسول الله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتالهم حتى يعلم خروجهم مما أمر بقتالهم عليه من اليهودية كما أمر بقتال عبدة الأوثان حتى يعلم خروجهم مما قوتلوا عليه وليس في إقرار اليهود أيضا بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ما يجب أن يكونوا مسلمين ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك قتالهم إذا قالوا ذلك لأنه قد يجوز أن يكونوا أرادوا به الاسلام أو غير الاسلام فأمر بالكف عن قتالهم حتى يعلم ما أرادوا بذلك كما ذكرنا فيما قد تقدم من حكم مشركي العرب وقد أتى اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقروا بنبوته ولم يدخلوا في الاسلام فلم يقاتلهم على إبائهم الدخول في الاسلام إذ لم يكونوا عنده بذلك الاقرار مسلمين
(٢١٤)