على القاتل فيما بينه وبين الله تسليم ذلك له وحقن دم نفسه فإن أبى لم يجبر عليه باتفاقهم على ذلك ولم يؤخذ منه ذلك كرها فيدفع إلى الولي فكذلك الدية إذا طلبها الولي فإنه يجب على القاتل فيما بينه وبين ربه أن يستحي نفسه بها وإن أبى ذلك لم يجبر عليه ولم يؤخذ منه كرها ثم رجعنا إلى أهل المقالة الأولى في قولهم إن للولي أن يأخذ الدية وإن كره ذلك الجاني فنقول لهم ليس يخلو ذلك من أحد وجوه ثلاثة إما أن يكون ذلك لان الذي له على القاتل هو القصاص والدية جميعا فإذا عفا عن القصاص فأبطله بعفوه كان له أخذ الدية وإما أن يكون الذي وجب له هو القصاص خاصة وله أن يأخذ الدية بدلا من ذلك القصاص وإما أن يكون الذي وجب له هو أحد أمرين إما القصاص وإما الدية يختار من ذلك ما شاء ليس يخلو ذلك من أحد هذه الثلاثة الوجوه فإن قلتم الذي وجب له هو القصاص والدية جميعا فهذا فاسد لان الله عز وجل لم يوجب على أحد فعل فعلا أكثر مما فعل فقد قال عز وجل وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فلم يوجب الله عز وجل على أحد بفعل يفعله أكثر مما فعل ولو كان ذلك كذلك لوجب أن يقتل ويأخذ الدية فلما لم يكن له بعد قتله أخذ الدية دل ذلك على أن الذي كان وجب له خلاف ما قلتم وإن قلتم إن الذي وجب له هو القصاص ولكن له أن يأخذ الدية بدلا من ذلك القصاص فإنا لا نجد حقا لرجل يكون له أن يأخذ به بدلا بغير رضاء من عليه ذلك الحق فبطل هذا المعنى أيضا وإن قلتم إن الذي وجب له أحد أمرين إما القصاص وإما الدية يأخذ منهما ما أحب ولم يجب له أن يأخذ واحدا منهما دون الآخر فإنه ينبغي إذا عفا عن أحدهما بعينه أن لا يجوز عفوه لان حقه لم يكن هو العفو عنه بعينه فيكون له إبطاله إنما كان له أن يختاره فيكون هو حقه أو يختار غيره فيكون هو حقه فإذا عفا عن أحدهما قبل اختياره إياه وقبل وجوبه له بعينه فعفوه باطل ألا ترى أن رجلا لو جرح أبوه عمدا فعفا عن جارح أبيه ثم مات أبوه من تلك الجراحة ولا وارث له غير أن عفوه باطل لأنه إنما عفا قبل وجوب المعفو عنه له فلما كان ما ذكرنا كذلك وكان العفو من القاتل قبل اختياره القصاص أو الدية جائزا ثبت بذلك
(١٧٨)