إطلاق أخص وهو المراد من الإسكار حيث أطلق، فعلى الإطلاق الأول بين المسكر والمخدر عموم مطلق، إذ كل مخدر مسكر وليس كل مسكر مخدرا، فإطلاق الإسكار على الحشيشة والجوزة ونحوهما المراد منه التخدير، ومن نفاه عن ذلك أراد به معناه الأخص.
وتحقيقه أن من شأن السكر بنحو الخمر أنه يتولد عنه النشوة والنشاط والطرب والعربدة والحمية، ومن شأن السكر بنحو الحشيشة والجوز أنه يتولد عنه أضداد ذلك من تخدير البدن وفتوره وهو طول السكوت والنوم وعدم الحمية.
وفي كتاب السياسة لابن تيمية أن الحد واجب في الحشيشة كالخمر، لكن لما كانت جمادا وليست شرابا تنازع الفقهاء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، فقيل نجسة وهو الصحيح انتهى.
وقال ابن بيطار: ومن القنب الهندي نوع ثالث يقال له القنب ولم أره بغير مصر ويزرع في البساتين، ويسمى بالحشيشة أيضا وهو يسكر جدا إذا تناول منه الانسان يسيرا قدر درهم أو درهمين، حتى إن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعلمه قوم فاختلت عقولهم، وأدى بهم الحال إلى الجنون، وربما قتلت.
وقال الذهبي: الحشيشة كالخمر في النجاسة والحد وتوقف بعض العلماء عن الحد فيها ورأى فيها التعزير لأنها تغير العقل من غير طرب كالبنج وأنه لم يجد للعلماء المتقدمين فيها كلاما وليس ذلك بل آكلوها يحصل لهم نشوة واشتهاء كشراب الخمر، ولكونها جامدة مطعومة تنازع العلماء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، فقيل هي نجسة كالخمر المشروبة وهذا هو الاعتبار الصحيح، وقيل لا لجمودها، وقيل يفرق بين جامدها ومائعها وبكل حال فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر المسكر لفظا ومعنى.
قال أبو موسى الأشعري يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتيمه فقال صلى الله عليه وسلم: ((كل مسكر حرام)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام))، ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين نوع ونوع ككونه مأكولا أو مشروبا على أن الخمر قد تؤكل بالخبز، والحشيشة قد تذاب وتشرب انتهى كلام الذهبي. هذا آخر كلام ابن حجر المكي ملخصا.
قلت قول ابن حجر المكي هذا مبالغة عظيمة، فإنه عد العنبر والزعفران من المسكرات وجعل استعمالها من الكبائر كالخمر، وهذا كلام باطل وساقط الاعتبار، ولم يثبت