الآفات قصدا لكونه معصية، وإن كان للتداوي فلا لعدمها كذا في فتح القدير، وهو صريح في حرمة البنج والأفيون لا للدواء. وفي البزازية والتعليل ينادى بحرمته لا للدواء. انتهى كلام البحر. وجعل في النهر هذا التفصيل هو الحق.
والحاصل أن استعمال الكثير المسكر منه حرام مطلقا كما يدل عليه كلام الغاية، وأما القليل فإن كان للهو حرم وإن سكر منه يقع طلاقه، لأن مبدأ استعماله كان محظورا وإن كان للتداوي وحصل منه إسكار فلا. هذا آخر كلام الشامي.
ثم قال الشامي: وكذا تحرم جوزة الطيب وكذا العنبر والزعفران كما في الزواجر لابن حجر المكي، وقال فهذه كلها مسكرة ومرادهم بالإسكار هنا تغطية العقل لا مع الشدة المطربة لأنها من خصوصيات المسكر المائع فلا ينافي أنها تسمى مخدرة، فما جاء في الوعيد على الخمر يأتي فيها لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه.
أقول: ومثله زهر القطن فإنه قوي التفريح يبلغ الإسكار كما في التذكرة، فهذا كله ونظائره يحرم استعمال القدر المسكر منه دون القليل كما قدمناه فافهم، ومثله بل أولى البرش وهو شئ مركب من البنج والأفيون وغيرهما ذكر في التذكرة أن إدمانه يفسد البدن والعقل، ويسقط الشهوتين، ويفسد اللون وينقص القوى وينهك. وقد وقع به الآن ضرر كثير انتهى كلام الشامي.
قلت: إذا عرفت هذه الأقاويل للعلماء فاعلم أن الزعفران والعنبر والمسك ليس في هذه الثلاثة سكر أصلا بل ولا تفتير ولا تخدير على التحقيق.
وأما الجوز الطيب والبسباسة والعود الهندي فهذه كلها ليس فيها سكر أيضا وإنما في بعضها التفتير، وفي بعضها التخدير، ولا ريب أن كل ما أسكر كثيره فقليله حرام سواء كان مفردا أو مختلطا بغيره وسواء كان يقوى على الإسكار بعد الخلط أو لا يقوى، فكل هذه الأشياء الستة ليس من جنس المسكرات قطعا بل بعضها ليس من جنس المفترات ولا المخدرات على التحقيق، وإنما بعضها من جنس المفترات على رأي البعض ومن جنس المضار على رأي البعض، فلا يحرم قليله سواء يؤكل مفردا أو يستهلك في الطعام أو في الأدوية. نعم أن يؤكل المقدار الزائد الذي يحصل به التفتير لا يجوز أكله لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مفتر ولم يقل إن كل ما أفتر كثيره فقليله حرام.
فنقول على الوجه الذي قاله صلى الله عليه وسلم ولا نحدث من قبلي شيئا فالتحريم للتفتير لا لنفس المفتر فيجوز قليله الذي لا يفتر.