قط عن الأئمة القدماء من العلماء بالنبات سكرهما الذي كما سيجيء وقد عرفت معنى السكر من أقوال العلماء، وليس في تعريف السكر تغطية العقل بنوع ما كما فهمه ابن حجر المكي، بل بوجه يعطل عقله المميز بين الأمور الحسنة والقبيحة أو مع ذلك يحصل له به الطرب والنشاط والعربدة وغير ذلك. وقوله وبما قررته في معنى الإسكار في هذه المذكورات علم أنه لا ينافي أن هذه المذكورات تسمى مخدرة.
قلت: لم يثبت قط أن كل المذكورات بأجمعها فيها سكر، وثبت في محله أن السكر غير الخدر فإطلاق السكر على الخدر غير صحيح، فإن الخدر هو الضعف في البدن والفتر الذي يصيب الشارب قبل السكر كما صرح به ابن الأثير في النهاية فأنى يصح القول بأن هذه المذكورات تسمى مسكرة ومخدرة.
وقوله: والأصل في تحريم كل ذلك ما رواه أحمد وأبو داود إلى آخره.
قلت: إنا نسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر، بل ونهى عن كل مخدر أيضا، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن ما أسكر كثيره فقليله منه حرام، وما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن ما أفتر كثيره فقليله منه حرام أو ما خدر كثيره فقليله منه حرام، وليس المسكر والمخدر والمفتر شيئا واحدا، والذي يسكر فكثيره وقليله سواء في الحرمة، والذي يفتر أو يخدر فلا يحرم منهما إلا قدر التفتير أو قدر التخدير.
ويؤيده ما أخرجه أبو نعيم كما في كنز العمال عن الحكم بن عتيبة عن أنس بن حذيفة صاحب البحرين قال: ((كتبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس قد اتخذوا بعد الخمر أشربة تسكرهم كما تسكر الخمر من التمر والزبيب يصنعون ذلك في الدباء والنقير والمزفت والحنتم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كل شراب أسكر حرام، والمزفت حرام، والنقير حرام، والحنتم حرام، فاشربوا في القرب وشدوا الأوكية، فاتخذ الناس في القرب ما يسكر، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقام في الناس فقال إنه لا يفعل ذلك إلا أهل النار، ألا إن كل مسكر حرام، وكل مفتر وكل مخدر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام.
وفي رواية لأبي نعيم عن أنس بن حذيفة ((ألا إن كل مسكر حرام وكل مخدر حرام وما أسكر كثيره حرم قليله وما خمر العقل فهو حرام انتهى)) فانظر رحمك الله تعالى وإياي بعين الإنصاف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا إن كل مسكر حرام، وكل مفتر وكل مخدر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام)) فالنبي صلى الله عليه وسلم صرح أولا بالحرمة على كل من المسكر والمفتر والمخدر ثم عقب