وللأئمة الحنفية فيه كلام على طريق آخر، فقال الشامي في رد المحتار، وقال محمد:
ما أسكر كثيره فقليله حرام وهو نجس أيضا انتهى.
أقول الظاهر أن هذا خاص بالأشربة المائعة دون الجامد كالبنج والأفيون فلا يحرم قليلها بل كثيرها المسكر، وبه صرح ابن حجر المكي في التحفة وغيره وهو مفهوم من كلام أئمتنا لأنهم عدوها من الأدوية المباحة وإن حرم السكر منها بالاتفاق ولم نر أحدا قال بنجاستها ولا بنجاسة زعفران مع أن كثيره مسكر، ولم يحرموا أكل قليله أيضا ويدل عليه أنه لا يحد بالسكر منها بخلاف المائعة فإنه يحد ويدل عليه أيضا قوله في غرر الأفكار وهذه الأشربة عند محمد وموافقيه كالخمر بلا تفاوت في الأحكام، وبهذا يفتى في زماننا فخص الخلاف بالأشربة.
والحاصل أنه لا يلزم من حرمة الكثير المسكر حرمة قليله ولا نجاسته مطلقا إلا في المائعات لمعنى خاص بها، أما الجامدات فلا يحرم منها إلا الكثير المسكر ولا يلزم من حرمته نجاسته كالسم القاتل فإنه حرام مع أنه طاهر انتهى كلام الشامي.
وقال في الدر المختار: ويحرم أكل البنج والحشيشة هي ورق القنب والأفيون لأنه مفسد للعقل.
قال الشامي: البنج بالفتح نبات يسمى شيكران يصدع ويسبت ويخلط العقل كما في التذكرة للشيخ داود. والمسبت الذي لا يتحرك.
وفي القهستاني: هو أحد نوعي شجر القنب حرام لأنه يزيل العقل وعليه الفتوى بخلاف نوع آخر منه فإنه مباح كالأفيون لأنه وإن اختل العقل به لا يزول وعليه يحمل ما في الهداية وغيرها من إباحة البنج كما في شرح اللباب.
أقول هذا غير ظاهر لأن ما يخل العقل لا يجوز أيضا بلا شبهة فيكف يقال إنه مباح بل الصواب أن مراد صاحب الهداية وغيره إباحة قليله للتداوي ونحوه ومن صرح بحرمته أراد به القدر المسكر منه، يدل عليه ما في غاية البيان عن شرح شيخ الاسلام أكل قليل السقمونيا والبنج مباح للتداوي، وما زاد على ذلك إذا كان يقتد أو يذهب العقل حرام فهذا صريح فما قلناه مؤيد لما بحثناه سابقا من تخصيص ما مر من أن ما أسكر كثيره حرم قليله بالمائعات، وهكذا يقال في غيره من الأشياء الجامدة المضرة في العقل أو غيره، يحرم تناول القدر المضر منها دون القليل النافع، لأن حرمتها ليست لعينها بل لضررها.
وفي أول طلاق البحر من غاب عقله بالبنج والأفيون يقع طلاقه إذا استعمل للهو وإدخال