غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم (من يشتريه) أي هذا الغلام مني (نعيم) بضم النون مصغرا (عبد الله بن النحام) بفتح النون وتشديد الحاء المهملة (فدفعها إليه) أي دفع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الدراهم إلى أبي مذكور الأنصاري.
وفي رواية البخاري المذكور بيان سبب بيعه وهو الاحتياج إلى ثمنه. وعند النسائي من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل بلفظ أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم فأعطاه وقال اقض دينك، فاتفقت هذه الروايات على أن بيع المدبر كان في حياة الذي دبره إلا ما رواه شريك عن سلمة بن كهيل بهذا الإسناد أن رجلا مات وترك مدبرا ودينا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فباعه في دينه. أخرجه الدارقطني ونقل عن شيخه أبي بكر النيسابوري أن شريكا أخطأ فيه والصحيح ما رواه الأعمش وغيره عن سلمة، وفيه ودفع ثمنه إليه قاله الحافظ.
قال صاحب التلويح: اختلف العلماء هل المدبر يباع أم لا، فذهب أبو حنيفة ومالك وجماعة من أهل الكوفة إلى أنه ليس للسيد أن يبيع مدبره. وأجازه الشافعي و أحمد وأبو ثور وإسحاق وأهل الظاهر، وهو قول عائشة ومجاهد والحسن وطاوس، وكرهه ابن عمر وزيد بن ثابت ومحمد بن سيرين وابن المسيب والزهري والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى والليث بن سعد. وعن الأوزاعي لا يباع إلا من رجل يريد عتقه. وجوز أحمد بيعه بشرط أن يكون على السيد دين. وعن مالك يجوز بيعه عند الموت ولا يجوز في حال الحياة وكذا ذكره ابن الجوزي عنه. وحكى مالك إجماع أهل المدينة على بيع المدبر أو هبته انتهى.
قال العيني: وعند الحنيفة المدبر على نوعين مدبر مطلق نحو ما إذا قال لعبده إذا مت فأنت حر أو أنت حر يوم أموت، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر أو دبرتك، فحكم هذا أنه لا يباع ولا يوهب ويستخدم ويؤجر، وتوطأ المدبرة وتنكح، وبموت المولى يعتق المدبر من ثلث ماله ويسعى في ثلثيه أي ثلثي قيمته إن كان المولى فقيرا ولم يكن له مال غيره، ويسعى في كل قيمته لو كان مديونا بدين مستغرق جميع ماله.
النوع الثاني: مدبر مقيد نحو قوله إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا فأنت حر أو قال إن مت إلى عشر سنين أو بعد موت فلان ويعتق إن وجد الشرط وإلا فيجوز بيعه انتهى.
قال النووي: في هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يجوز بيع المدبر قبل موت سيده لهذا الحديث وقياسا على الموصي يعتقه فإنه يجوز بيعه بالإجماع. وممن جوزه