والثلاثين: الزعفران حار يابس لطيف مجفف تجفيفا مع قبض يسير، ولذلك صار يدر البول وفيه قوة منضجة وينفع أورام الأعضاء الباطنة إذا شرب وضمد به من خارج ويفتح السدد التي في الكبد أو في العروق ويقوي جميع الأعضاء الباطنة وينفذ الأدوية التي يخلط بها إلى جميع البدن انتهى.
وقال الشيخ داود الأنطاكي في تذكرته: الزعفران يفرح القلب، ويقوي الحواس، ويهيج شهوة الباه فيمن يئس منه، ولو شما، ويذهب الخفقان في الشراب، ويسرع بالسكر على أنه يقطعه إذا شرب بالميفختج عن تجربة انتهى.
وقال الأقصرائي: زعفران يسر مع الشراب جدا حتى يرعن أي يورث الرعونة، وهي خفة العقل، وقيل: إن ثلاثة مثاقيل من الزعفران يقتل بالتفريح انتهى.
فمن أين قال العلامة القرشي: إن الزعفران يسكر مفردا أيضا، هل حصلت له التجربة على أنه يسكر مفردا، كلا بل ثبت بالتجربة أنه لا يسكر إلا مع الشراب.
وقد سألت غير مرة من أدركنا من الأطباء الحذاق صاحب التجربة والعلم والفهم، فكلهم اتفقوا على أنه لا يسكر مفردا، بل قالوا إن القول بالسكر غلط وحكى لي شيخنا العلامة الدهلوي في سنة أربع وتسعين بعد الألف والمائتين من الهجرة النبوية أن قبل ذلك بأربعين سنة أو أكثر من ذلك جرى الكلام في مسألة الزعفران بين الأطباء والعلماء، فتحقق الأمر على أن الزعفران ليس بمسكر وإنما فيه تفتير، واتفق عليه آراء الأطباء والعلماء كافة، على أن الفرق بين حكم المائعات والجامدات محقق بين الأئمة الأحناف انتهى.
وقد أطنب الكلام في مسألة الزعفران الفاضل السيد رحمه الله في كتابه دليل الطالب فقال إن ثبت السكر في الزعفران فهو مسكر، وإن ثبت التفتير فقط فهو مفتر انتهى حاصله.
قلت: ذلك الفاضل رحمه الله تعالى تردد في أمر الزعفران ولم يترجح له سكر وقيل: إن الرجل إن دخل في الأرض التي فيها زرع الزعفران لا يملك نفسه من شدة الفرح بل يخر مغشيا عليه وهذا قول غلط باطل لا أصل له، وقد كذب قول هذا القائل وغلطه بعض الثقات من أهل الكشمير وكان صاحب أرض وزرع للزعفران والله أعلم بالصواب.
وإن شاء ربي سأفصل الكلام على الوجه التمام في هذه المسألة في رسالة مستقلة أسميها بغاية البيان في حكم استعمال العنبر والزعفران والله الموفق.