وعند عبد الرزاق في مصنفه عن عروة: ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة، فأنزل الله فيهم (سبح الله) إلى قوله (لأول الحشر) وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام. فكان جلاؤهم أول حشر حشر في الدنيا إلى الشام، وهذا مرسل، وقد وصلة الحاكم عن عائشة وصححه، انتهى. وقوله تعالى: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) أي عاونوا الأحزاب وهم قريظة (من صياصيهم) أي حصونهم، نزلت في شأن بني قريظة فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب وهي بعد بني النضير بلا ريب وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر، بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من إجلائهم، فإنه كان من رؤوسهم حيى بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب حتى كان من هلاكهم ما كان. وعند ابن سعد أنهم حين هموا بغدره صلى الله عليه وسلم وأعلمه الله بذلك، ونهض سريعا إلى المدينة بعث إليهم محمد بن مسلمة الأنصاري أن اخرجوا من بلدي المدينة لأن مساكنهم من أعمالهم فكأنها منها فلا تساكنوني بها، وقد هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا، فمن رئي منكم بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون، واكتروا من أناس من أشجع إبلا، فأرسل إليهم عبد الله بن أبي لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فإن معي ألفين من قومي من العرب يدخلون حصونكم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع حيى فيما قاله ابن أبي فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لن نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك، فأظهر صلى الله عليه وسلم التكبير وكبر المسلمون بتكبيره وسار إليهم صلى الله عليه وسلم في أصحابه فحاصرهم صلى الله عليه وسلم وقطع نخلهم ثم أجلاهم عن المدينة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا أمتعتهم على ستمائة بعير، فلحقوا أكثرهم بخيبر منهم حيى بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق، وذهبت طائفة منهم إلى الشام كما في سيرة الشامية.
ولا ينافيه قول البيضاوي لحق أكثرهم بالشام لجواز أن الأكثر نزلوا أولا بخيبر ثم خرج منهم جماعة إلى الشام، لكن في مغازي ابن إسحاق فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام، فكان أشرافهم من سار إلى خيبر سلام وكنانة وحيى.
وفي تاريخ الخميس: ذهب بعضهم إلى الشام ولحق أهل بيتين وهم آل أبي الحقيق وآل حيى بخيبر قاله الزرقاني في شرح المواهب.