وأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن ما يلفظ من قول ما يتكلم به من شئ الا كتب عليه وكان عكرمة يقول انما ذلك في الخير والشر (قلت) ويجمع بينهما برواية علي بن أبي طلحة المذكورة (قوله يحرفون يزيلون) لم أر هذا موصولا من كلام ابن عباس من وجه ثابت مع أن الذي قبله من كلامه وكذا الذي بعده وهو قوله دراستهم تلاوتهم وما بعده وأخرج جميع ذلك ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقد تقدم في باب قوله كل يوم هو في شأن عن ابن عباس ما يخالف ما ذكر هنا وهو تفسير يحرفون بقوله يزيلون نعم أخرجه ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله يحرفون الكلم عن مواضعه قال يقلبون ويغيرون وقال الراغب التحريف الإمالة وتحريف الكلام أن يجعله على حرف من الاحتمال بحيث يمكن حمله على وجهين فأكثر (قوله وليس أحد يزيل لفظ كتاب الله من كتب الله عز وجل ولكنهم يحرفونه يتأولونه عن غير تأويله) في رواية الكشميهني يتأولونه على غير تأويله قال شيخنا ابن الملقن في شرحه هذا الذي قاله أحد القولين في تفسير هذه الآية وهو مختاره أي البخاري وقد صرح كثير من أصحابنا بأن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل وفرعوا على ذلك جواز امتهان أوراقهما وهو يخالف ما قاله البخاري هنا انتهى وهو كالصريح في أن قوله وليس أحد إلى آخره من كلام البخاري ذيل به تفسير ابن عباس وهو يحتمل ان يكون بقية كلام ابن عباس في تفسير الآية وقال بعض الشراح المتأخرين اختلف في هذه المسئلة على أقوال أحدها انها بدلت كلها وهو مقتضى القول المحكي بجواز الامتهان وهو افراط وينبغي حمل إطلاق من اطلقه على الأكثر والا فهي مكابرة والآيات والاخبار كثيرة في أنه بقي منها أشياء كثيرة لم تبدل من ذلك قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل الآية ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه وجود آية الرجم ويؤيده قوله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين ثانيها ان التبديل وقع ولكن في معظمها وأدلته كثيرة وينبغي حمل الأول عليه ثالثها وقع في اليسير منها ومعظمها باق على حاله ونصره الشيخ تقي الدين بن تيمية في كتابه الرد الصحيح على من بدل دين المسيح رابعها انما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ وهو المذكور هنا وقد سئل بن تيمية عن هذه المسئلة مجردا فأجاب في فتاويه ان للعلماء في ذلك قولين واحتج للثاني من أوجه كثيرة منها قوله تعالى لا مبدل لكلماته وهو معارض بقوله تعالى فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ولا يتعين الجمع بما ذكر من الحمل على اللفظ في النفي وعلى المعنى في الاثبات لجواز الحمل في النفي على الحكم وفي الاثبات على ما هو أعم من اللفظ والمعنى ومنها ان نسخ التوراة في الشرق والغرب والجنوب والشمال لا يختلف ومن المحال ان يقع التبديل فيتوارد النسخ بذلك على منهاج واحد وهذا استدلال عجيب لأنه إذا جاز وقوع التبديل جاز اعدام المبدل والنسخ الموجودة الآن هي التي استقر عليها الامر عندهم عند التبديل والاخبار بذلك طافحة أما فيما يتعلق بالتوراة فلان بختنصر لما غزا بيت المقدس وأهلك بني إسرائيل ومزقهم بين قتيل وأسير وأعدم كتبهم حتى جاء عزيرا فأملاها عليهم وأما فيما يتعلق بالإنجيل فان الروم لما دخلوا في النصرانية جمع ملكهم أكابرهم على ما في الإنجيل الذي بأيديهم وتحريفهم المعاني لا ينكر
(٤٣٦)