فعبر به عنه وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة ان الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء دون دار الآخرة المعدة للبقاء والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق لانهم هم المحجوبون عنه وقال النووي أصل الحجاب المنع من الرؤية والحجاب في حقيقة اللغة الستر وانما يكون في الأجسام والله سبحانه منزه عن ذلك فعرف أن المراد المنع من رؤيته وذكر النور لأنه يمنع من الادراك في العادة لشعاعه والمراد بالوجه الذات وبما انتهى إليه بصره جميع المخلوقات لأنه سبحانه محيط بجميع الكائنات * الحديث الثامن حديث أبي موسى وعبد العزيز بن عبد الصمد هو ابن عبد الصمد العمي بفتح المهملة وتشديد الميم وأبو عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني وأبو بكر هو ابن أبي موسى الأشعري وقد تقدم ذلك في تفسير سورة الرحمن (قوله جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما) في رواية حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال حماد لا أعلمه الا قد رفعه قال جنتان من ذهب للمقربين ومن دونهما جنتان من ورق لأصحاب اليمين أخرجه الطبري وابن أبي حاتم ورجاله ثقات وفيه رد على ما حكيته عن الترمذي الحكيم ان المراد بقوله تعالى ومن دونهما جنتان الدنو بمعنى القرب لا انهما دون الجنتين المذكورتين قبلهما وصرح جماعة بأن الأوليين أفضل من الأخريين وعكس بعض المفسرين والحديث حجة للأولين قال الطبري اختلف في قوله ومن دونهما جنتان فقال بعضهم معناه في الدرجة وقال آخرون معناه في الفضل وقوله جنتان إشارة إلى قوله تعالى ومن دونهما جنتان وتفسير له وهو خبر مبتدأ محذوف أي هما جنتان وآنيتهما مبتدأ ومن فضة خبره قاله الكرماني قال ويحتمل ان يكون فاعل فضة كما قال ابن مالك مررت بواد ابل كله ان كله فاعل أي جنتان مفضض آنيتهما انتهى ويحتمل ان يكون بدل اشتمال وظاهر الأول أن الجنتين من ذهب لا فضة فيهما وبالعكس ويعارضه حديث أبي هريرة قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة الحديث أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان وله شاهد عن ابن عمر أخرجه الطبراني وسنده حسن وآخر عن أبي سعيد أخرجه البزار ولفظه خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة الحديث ويجمع بأن الأول صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها والثاني صفة حوائط الجنان كلها ويؤيده انه وقع عند البيهقي في البعث في حديث أبي سعيد أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وعلى هذا فقوله آنيتهما وما فيهما بدل من قوله من ذهب ويترجح الاحتمال الثاني (قوله وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه) قال المازري كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب العرب بما تفهم ويخرج لهم الأشياء المعنوية إلى الحس ليقرب تناولهم لها فعبر عن زوال الموانع ورفعه عن الابصار بذلك وقال عياض كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرا وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وايجازها ومنه قوله تعالى جناح الذل فمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك من هذا المعنى ومن لم يفهم ذلك تاه فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الامر إلى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها اما ان يكذب نقلتها واما ان يؤولها كأن يقول استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم
(٣٦٣)