مشعرة بأن اتفاق أهل الحرمين كليهما إجماع (قلت) لعله أراد الترجيح به لا دعوى الاجماع وإذا قال بحجية إجماع أهل المدنية وحدها مالك ومن تبعه فهم قائلون به إذا وافقهم أهل مكة بطريق الأولى وقد نقل ابن التين عن سحنون اعتبار إجماع أهل مكة مع أهل المدينة قال حتى لو اتفقوا كلهم وخالفهم ابن عباس في شئ لم يعد إجماعا وهو مبني على أن ندرة المخالف تؤثر في ثبوت الاجماع (قوله ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والقبر) هذه الثلاثة مجرورة عطفا على قوله مشاهد ثم ذكر فيه أربعة وعشرين حديثا * الحديث الأول حديث جابر (قوله إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله السلمي) بفتح المهملة واللام (قوله إن أعرابيا) تقدم القول في اسمه وفي أي شئ استقال منه وضبط ينصع في أواخر الحج في فضل المدينة وكذا قوله كالكير مع سائر شرحه ولله الحمد قال ابن بطال عن المهلب فيه تفضيل المدينة على غيرها بما خصها الله به من أنها تنفي الخبث ورتب على ذلك القول بحجية إجماع أهل المدينة وتعقب بقول ابن عبد البر أن الحديث دال على فضل المدينة ولكن ليس الوصف المذكور عاما لها في جميع الأزمنة بل هو خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يخرج منها رغبة عن الإقامة معه الا من لا خير فيه وقال عياض نحوه وأيده بحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الفضة قال والنار انما تخرج الخبث والردئ وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من خيار الصحابة وقطنوا غيرها وماتوا خارجا عنها كابن مسعود وأبي موسى وعلي أو أبي ذر وعمار وحذيفة وعبادة بن الصامت وأبي عبيدة ومعاذ وأبي الدرداء وغيرهم فدل على أن ذلك خاص بزمنه صلى الله عليه وسلم بالقيد المذكور ثم يقع تمام إخراج الردئ منها في زمن محاصرة الدجال كما تقدم بيان ذلك واضحا في آخر كتاب الفتن وفيه فلا يبقى منافق ولا منافقة الا خرج إليه فذلك يوم الخلاص * الحديث الثاني حديث ابن عباس كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف الحديث في خطبة عمر الذي تقدم بطوله مشروحا في باب رجم الحبلى من الحدود وذكر هنا منه طرفا والغرض منه هنا ما يتعلق بوصف المدينة بدار الهجرة ودار السنة ومأوى المهاجرين والأنصار وقوله فيه فلما كان آخر حجة حجها عمر فقال عبد الرحمن جواب لما محذوف وقد تقدم بيانه وهو فلما رجع عبد الرحمن من عند عمر لقيني فقال وقوله فيه قال ابن عباس هو موصول بالسند المذكور وقوله فقدمنا المدينة فقال إن الله بعث محمدا بالحق حذف منه قطعة كبيرة بين قوله فقدمنا المدينة وبين قوله قال إلى آخره تقدم بيانها هناك وفيها قصة مع سعيد بن زيد وخروج عمر يوم الجمعة وخطبته بطولها وقد أدخل كثير ممن يقول بحجية إجماع أهل المدينة هذه المسئلة في مسئلة إجماع الصحابة وذلك حيث يقول لانهم شاهدوا التنزيل وحضروا الوحي وما أشبه ذلك وهما مسئلتان مختلفتان والقول بأن إجماع الصحابة حجة أقوى من القول بان إجماع أهل المدينة حجة والراجح ان أهل المدينة ممن بعد الصحابة إذا اتفقوا على شئ كان القول به أقوى من القول بغيره الا ان يخالف نصا مرفوعا كما أنه يرجح بروايتهم لشهرتهم بالتثبت في النقل وترك التدليس والذي يختص بهذا الباب القول بحجية قول أهل المدينة إذا اتفقوا
(٢٥٧)