الحديث الآخر فليستعذ بالله ولينته أي يترك التفكر في ذلك الخاطر ويستعيذ بالله إذا لم يزل عنه التفكر والحكمة في ذلك أن العلم باستغناء الله تعالى عن كل ما يوسوسه الشيطان أمر ضروري لا يحتاج للاحتجاج والمناظرة فان وقع شئ من ذلك فهو من وسوسة الشيطان وهي غير متناهية فمهما عورض بحجة يجد مسلكا آخر من المغالطة والاسترسال فيضيع الوقت ان سلم من فتنته فلا تدبير في دفعه أقوى من الالجاء إلى الله تعالى بالاستعاذة به كما قال تعالى واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله الآية وقال في شرح الحديث الذي فيه فليقل الله الاحد الصفات الثلاث منبهة على أن الله تعالى لا يجوز ان يكون مخلوقا أما أحد فمعناه الذي لا ثاني له ولا مثل فلو فرض مخلوقا لم يكن أحدا على الاطلاق وسيأتي مزيد لهذا في شرح حديث عائشة في أول كتاب التوحيد وقال المهلب قوله صريح الايمان يعني الانقطاع في إخراج الامر إلى ما لا نهاية له فلا بد عند ذلك من إيجاب خالق لا خالق له لان المتفكر العاقل يجد للمخلوقات كلها خالقا لاثر الصنعة فيها والحدث الجاري عليها والخالق بخلاف هذه الصفة فوجب ان يكون لكل منها خالق لا خالق له فهذا هو صريح الايمان لا البحث الذي هو من كيد الشيطان المؤدي إلى الحيرة وقال ابن بطال فان قال الموسوس فما المانع ان يخلق الخالق نفسه قيل له هذا ينقض بعضه بعضا لأنك أثبت خالقا وأوجبت وجوده ثم قلت يخلق نفسه فأوجبت عدمه والجمع بين كونه موجودا معدوما فاسد لتناقضه لان الفاعل يتقدم وجوده على وجود فعله فيستحيل كون نفسه فعلا له قال وهذا واضح في حل هذه الشبهة وهو يفضي إلى صريح الايمان انتهى ملخصا موضحا وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم فعزوه إليه أولى ولفظه انا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا ان يتكلم به قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذاك صريح الايمان وأخرج بعده من حديث ابن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة فقال تلك محض الايمان وحديث ابن عباس أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان وقال ابن التين لو جاز لمخترع الشئ ان يكون له مخترع لتسلسل فلا بد من الانتهاء إلى موجد قديم والقديم من لا يتقدمه شئ ولا يصح عدمه وهو فاعل لا مفعول وهو الله تبارك وتعالى وقال الكرماني ثبت ان معرفة الله بالدليل فرض عين أو كفاية والطريق إليها بالسؤال عنها متعين لأنها مقدمتها لكن لما عرف بالضرورة ان الخالق غير مخلوق أو بالكسب الذي يقارب الصدق كان السؤال عن ذلك تعنتا فيكون الذم يتعلق بالسؤال الذي يكون على سبيل التعنت والا فالتوصل إلى معرفة ذلك وإزالة الشبهة عنه صريح الايمان إذ لا بد من الانقطاع إلى من يكون له خالق دفعا للتسلسل وقد تقدم نحو هذا في صفة إبليس من بدء الخلق وما ذكره من ثبوت الوجوب يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في أول كتاب التوحيد ويقال ان نحو هذه المسئلة وقعت في زمن الرشيد في قصة له مع صاحب الهند وانه كتب إليه هل يقدر الخالق ان يخلق مثله فسأل أهل العلم فبدر شاب فقال هذا السؤال محال لان المخلوق محدث والمحدث لا يكون مثل القديم فاستحال ان يقال يقدر ان يخلق مثله أو لا يقدر كما يستحيل ان يقال في القادر العالم يقدر ان يصير عاجزا جاهلا * الحديث التاسع حديث ابن مسعود في سؤال اليهود عن الروح وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة سبحان وقوله في هذه الرواية فقام ساعة فنظر فعرفت انه يوحى إليه فتأخرت حتى صعد الوحي ظاهر في أنه أجابهم في ذلك الوقت وهو يرد على ما وقع في مغازي موسى بن عقبة وسير سليمان التيمي ان جوابه تأخر
(٢٣٢)