(قوله فحمد سليمان ولم يلم داود ولولا ما ذكر الله من أمر هذين) يعني داود وسليمان وقوله لرأيت في رواية الكشميهني لرويت ان القضاة هلكوا يعني لما تضمنته الآيتان الماضيتان ان من لم يحكم بما أنزل الله كافر فدخل في عمومه العامد والمخطئ وكذا قوله تعالى ان الذين يضلون عن سبيل الله يشمل العامد والمخطئ فاستدل بالآية الأخرى في قصة الحرث ان الوعيد خاص بالعامد فأشار إلى ذلك بقوله فإنه أثنى على هذا بعلمه أي بسبب علمه أي معرفته وفهمه وجه الحكم والحكم به وعذر بفتح الذال المعجمة هذا باجتهاده وروينا بعضه في تفسير ابن أبي حاتم وفي المجالسة لأبي بكر الدينوري وفي أمالي الصولي جميعا يزيد بعضهم على بعض من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل قال دخلنا مع الحسن على إياس بن معاوية حين استقضى قال فبكى إياس وقال يا أبا سعيد يعني الحسن البصري المذكور يقولون القضاة ثلاثة رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار ورجل مال مع الهوى فهو في النار ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة فقال الحسن ان فيما قص الله عليك من نبأ سليمان ما يرد على من قال هذا وقرأ وداود وسليمان إذا يحكمان في الحرث إلى قوله شاهدين قال فحمد سليمان لصوابه ولم يذم داود لخطئه ثم قال إن الله اخذ على الحكام عهدا بأن لا يشتروا به ثمنا ولا يتبعوا فيه الهوى ولا يخشوا فيه أحدا ثم تلا يا داود انا جعلناك خليفة إلى آخر الآية قلت والحديث الذي أشار إليه إياس أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة ولكن عندهم الثالث قضى بغير علم وقد جمعت طرقه في جزء مفرد وليس في شئ منها انه اجتهد فأخطأ وسيأتي حكم من اجتهد فأخطأ بعد أبواب واستدل بهذه القصة على أن للنبي ان يجتهد في الاحكام ولا ينتظر نزول الوحي لان داود عليه السلام على ما ورد اجتهد في المسئلة المذكورة قطعا لأنه لو كان قضى فيها بالوحي ما خص الله سليمان بفهمها دونه وقد اختلف من أجاز للنبي ان يجتهد هل يجوز عليه الخطأ في اجتهاده فاستدل من أجاز ذلك بهذه القصة وقد اتفق الفريقان على أنه لو أخطأ في اجتهاده لم يقر على الخطأ وأجاب من منع الاجتهاد انه ليس في الآية دليل على أن داود اجتهد ولا أخطأ وانما ظاهرها ان الواقعة اتفقت فعرضت على داود وسليمان فقضى فيها سليمان لان الله فهمه حكمها ولم يقضي فيها داود بشئ ويرد على من تمسك بذلك بما ذكره أهل النقل في سورة هذه الواقعة وقد تضمن أثر الحسن المذكور انهما جميعا حكما وقد تعقب ابن المنير قول الحسن البصري ولم يذم داود بان فيه نقصا لحق داود وذلك أن الله تعالى قد قال وكلا آتينا حكما وعلما فجمعهما في الحكم والعلم وميز سليمان بالفهم وهو علم خاص زاد على العام بفصل الخصومة قال والأصح في الواقعة ان داود أصاب الحكم وسليمان أرشد إلى الصلح ولا يخلو قوله تعالى وكلا آتينا حكما وعلما ان يكون عاما أو في واقعة الحرث فقط وعلى التقديرين يكون اثنى على داود فيها بالحكم والعلم فلا يكون من قبيل عذر المجتهد إذا أخطأ لان الخطأ ليس حكما ولا علما وانما هو ظن غير مصيب وإن كان في غير الواقعة فلا يكون تعالى أخبر في هذه الواقعة بخصوصها عن داود بإصابة ولا خطأ وغايته انه أخبر بتفهيم سليمان ومفهومه لقب والاحتجاج به ضعيف فلا يقال فهمها سليمان دون داود وانما خص سليمان بالتفهيم لصغر سنه فيستغرب ما يأتي به (قلت) ومن تأمل ما نقل في القصة ظهر له ان الاختلاف بين الحكمين كان في الأولوية لا في العمد والخطأ ويكون معنى قول الحسن حمد سليمان أي لموافقته الطريق الأرجح ولم يذم داود
(١٣٠)