قال وأظنه ذهب إلى ما رواه ابن شهاب عن زبيد بن الصلت ان أبا بكر الصديق قال لو وجدت رجلا على حد ما أقمته عليه حتى يكون معي غيري ثم ساقه بسند صحيح عن ابن شهاب قال ولا أحسب مالكا ذهب عليه هذا الحديث فإن كان كذلك فقد قلد أكثر هذه الأمة فضلا وعلما (قلت) ويحتمل ان يكون ذهب إلى الأثر المقدم ذكره عن عمر وعبد الرحمن بن عوف قال ويلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقا أنه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط ان يرجمه ويدعي انه رآه يزني أو يفرق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه يطلقها أو بينه وبين أمته ويزعم أنه سمعه يعتقها فان هذا الباب لو فتح لوجد كل قاض السبيل إلى قتل عدوه وتفسيقه والتفريق بينه وبين من يحب ومن ثم قال الشافعي لولا قضاة السوء لقلت ان للحاكم ان يحكم بعلمه انتهى وإذا كان هذا في الزمان الأول فما الظن بالمتأخر فيتعين حسم مادة تجويز القضاء بالعلم في هذه الأزمان المتأخرة لكثرة من يتولى الحكم ممن لا يؤمن على ذلك والله أعلم (قوله ولو أقر خصم عنده لآخر بحق في مجلس القضاء فإنه لا يقضي عليه في قول بعضهم حتى يدعو بشاهدين فيحضرهما اقراره) قال ابن التين ما ذكر عن عمر وعبد الرحمن هو قول مالك وأكثر أصحابه وقال بعض أصحابه يحكم بما علمه فيما أقر به أحد الخصمين عنده في فجلس الحكم وقال ابن القاسم وأشهب لا يقضي بما يقع عنده في مجلس الحكم الا إذا شهد به عنده وقال ابن المنير مذهب مالك أن من حكم بعلمه يقضي على المشهور الا إن كان علمه حادثا بعد الشروع في المحاكمة فقولان واما ما أقر به عنده في مجلس الحكم فيحكم ما لم ينكر الخصم بعد اقراره وقبل الحكم عليه فان ابن القاسم قال لا يحكم عليه حينئذ ويكون شاهدا وقال ابن الماجشون يحكم بعلمه وفي المذهب تفاريع طويلة في ذلك ثم قال ابن المنير وقول من قال لا بد أن يشهد عليه في المجلس شاهدان يؤل إلى الحكم بالاقرار لأنه لا يخلو أن يؤديا أولا ان أديا فلا بد من الاعذار فان أعذر احتيج إلى الاثبات وتسلسلت القضية وان لم يحتج رجع إلى الحكم بالاقرار وان لم يؤديا فهي كالعدم وأجاب غيره ان فائدة ذلك ردع الخصم عن الانكار لأنه إذا عرف ان هناك من يشهد امتنع من الانكار خشية التعزير بخلاف ما إذا أمن ذلك (قوله وقال بعض أهل العراق ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضى به وما كان في غيره لم يقض الا بشاهدين يحضرهما اقراره) بضم أوله من الرباعي (قلت) وهذا قول أبي حنيفة ومن تبعه ويوافقهم مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكية قال ابن التين وجرى به العمل ويوافقه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن سيرين قال اعترف رجل عند شريح بأمر ثم أنكره فقضى عليه باعترافه فقال أتقضي علي بغير بينة فقال شهد عليك ابن أخت خالتك يعني نفسه (قوله وقال آخرون منهم بل يقضي به لأنه مؤتمن) بفتح الميم اسم مفعول وانما يراد بالشهادة معرفة الحق فعلمه أكبر من الشهادة وهو قول أبي يوسف و من تبعه ووافقهم الشافعي قال أبو علي الكرابيسي قال الشافعي بمصر فيما بلغني عنه إن كان القاضي عدلا لا يحكم بعلمه في حد ولا قصاص الا ما أقر به بين يديه ويحكم بعلمه في كل الحقوق مما علمه قبل أن يلي القضاء أو بعدما ولى فقيد ذلك بكون القاضي عدلا إشارة إلى أنه ربما ولي القضاء من ليس بعدل بطريق التغلب (قوله وقال بعضهم) يعني أهل العراق (يقضي بعلمه في الأموال ولا يقضي في غيرها) هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف فيما نقله الكرابيسي عنه إذا رأى الحاكم رجلا
(١٤١)